-----

 

    

 
   
 

هموم کوردية باللغة العربية، حول اللغة الکوردية الموحدة
فهمي كاكه يي

2009-1-28

 اللغة الکوردية الموحدة هي واحدة من الهموم الکوردية أولا و أخيرا و من الأجدر بنا أن نکتب عنها بهذه اللغة، لکنه نشرت في الآونة الأخيرة عدة مقالات من قبل الکتاب الکورد عن هذا الموضوع الحساس (لسبب لا أستطيع أن أدعي جهلي به) باللغة العربية، لذا کان لزاما علي أن أكتب بدوري مقالتي هذه‌ لإيضاح بعض الأمور المتعلقة بهذا الموضوع الشائك و باللغة العربية لکي تصل رسالتي إلی هؤلاء الإخوة.


تعتبر مهمة توحيد اللغة الکوردية من المهمات العاجلة و الآجلة في نفس الوقت، لذا فهي بحاجة إلی حلول آنية ملحة و حلول مسقبلية يمکن التريث و التروي بشأنها. إذا أخذنا الوضع الجغرافي و السياسي لکوردستان و تقسيمها علی أربع دول بنظر الإعتبار لبرزت لنا الوجة الشائك و الصعوبات و العوائق التي تقف أمام توحيد اللغة الکوردية في جميع أنحاء البلاد، أي بکافة أقاليمها. دعونا بداية أن نسمي أقسام کوردستان حسب إلحاقها بالدول المجاورة لها بشکل يسهل علينا فهمه دون الإستعانة بکلمات مثل: مستعمرة أو محتلة أو مغتصبة و کالآتي:


القسم الذي يقع ضمن الحدود الدولية لترکيا: إقليم الشمال


القسم الذي يقع ضمن الحدود الدولية للعراق: إقليم الجنوب


القسم الذي يقع ضمن الحدود الدولية لإيران: إقليم الشرق


القسم الذي يقع ضمن الحدود الدولية لسوريا: إقليم الغرب


إن مايقارب 50% من العدد الإجمالي للکورد يعيشون في إقليم الشمال، غالبيتهم يتکلمون باللهجة الکرمانجية الشمالية، أما الباقي فإنهم يتکلمون باللهجة الزازاکية أو الدملکية، مع أن العدد التقريبي للکورد في هذا الإقليم يقدر بـ(15 ـ 20) مليون نسمة إلا أن التدريس باللغة الکوردية ممنوع (کونه يهدد وحدة التراب الترکي حسب تصور الدولة الترکية)، هؤلاء يستعملون الأحرف اللاتينية في کتاباتهم التي تنشر خارج کوردستان، و ما دام الأمر هکذا فإن توحيد اللغة الکوردية في هذا الإقليم لوحده أمر شائك و صعب، حيث أن إحدی مقومات اللغة الموحدة هي إعتماد إحدی لهجاتها کلغة التدريس و الإعلام و المراسلات الرسمية، إضافة إلی ذلك فإن المتکلمين بالزازاکية يدرسون أطفالهم بلهجتهم الخاصة بهم في الصفوف و الدورات التعليمية خارج البلاد.


بالنسبة إلی إقليم الغرب، هنا يعيش ما يقارب 5% أو أکثر من النسبة الإجمالية للکورد أو مايقارب 2 مليون، جميعهم يتکلمون بالکرمانجية الشمالية، لکن الدراسة بالکوردية ممنوعة، هؤلاء يستخدمون الأحرف اللاتينية في کتاباتهم إلا أن لغة الدولة هي العربية، إن هذا يعني بأنه حتی لو سمحت الدولة السورية بتدريس اللغة الکوردية فإنها لا تسمح بإستخدام الأحرف اللاتينية و هذا عائق آخر أمام اللغة الکوردية الموحدة أقلا بين إقليمي الشمال و الغرب و ذلك بسبب إختلاف الألفباء.


بالنسبة إلی إقليم الشرق و هنا يعيش ما يقارب 25% من العدد الإجمالي للکورد أو (7 ـ 8) مليون نسمة، تأتي اللهجة الکرمانجية الجنوبية بالدرجة الأولی تليها اللهجة الکورانية، اللورية ثم الکرمانجية الشمالية، ليس هناك تدريس باللغة الکوردية، لغة الدولة فارسية بالأحرف الآرامية الفينيقية (العربية) و الحديث عن اللغة الکوردية الموحدة حتی إذا کان لهذا الإقليم لحاله حديث سابق لأوانه، إلا أن اللهجة الأکثر إستعمالا في الأدب و الصحافة الکوردية الغير رسمية هي الکرمانجية الجنوبية.


في ظل هذا الوضع الشائك و العوائق الجغرافية و السياسية و عدم وجود أرضية خصبة في هذه الأقاليم الثلاثة تبقی مسألة توحيد اللغة الکوردية و إختيار لهجة واحدة کلغة الدراسة و الإعلام و المراسلات الرسمية في کافة الأقاليم حلما بنفسجيا في الوقت الحاضرعلی أقل تقدير. يبقی إقليم الجنوب فهل هناك عوامل مساعدة لإعتماد لهجة معينة کلغة موحدة لهذا الإقليم کحل آني أم لا؟


في إقليم الجنوب يعيش حوالي 20% من العدد الإجمالي للکورد أو ما يقارب (6 ـ 7) مليون نسمة، تأتي اللهجة الکرمانجية الجنوبية بالدرجة الأولی تليها الکرمانجية الشمالية ثم الکورانية و اللورية، هنا توجد حکومة و إدارة و مؤسسات کوردية و تاريخيا أعتمدت الکرمانجية الجنوبية لغة رسمية لهذا الإقليم حيث کانت هذه اللهجة لغة المدرسة و الإعلام و المؤسسات و بالإتفاق مع الحکومة المرکزية، کما إنها کانت لغة الحرکة التحررية الکوردية لغاية إنهيار ثورة أيلول سنة 1975، عندها قام بعض الکورد من أزلام الحکومة العراقية بالتشويش علی الدراسة بهذه اللهجة في منطقة بهدينان و إقناع الکثيرين من سکان المنطقة لإرسال أولادهم إلی الدراسة العربية بدلا من الکوردية، و هذا يأتي من قلة الوعي القومي و الشعور بالنقص و الدونية لدی بعض الکورد، حيث إنه من غير المعقول التخلي عن الدراسة بواحدة من لهجات القوم و تفضيل لغة قومية أخری عليها. لکن الإمور أخذت مجراها الطبيعي بعد إنتفاضة 1991 و سيطرة الکورد علی عدد کبير من مدن و قصبات إقليم الجنوب و أعتمدت الکرمانجية الجنوبية لغة رسمية للإدارة الکوردية. ماذا حدث بالضبط لکي تظهر إلی السطح مناقشة اللغة الموحدة في إقليم الجنوب؟


ليس لي علم بأولويات إعتماد اللهجة البهدينانية (لهجة فرعية للکرمانجية الشمالية) کلغة الدراسة في محافظة دهوك و الأقضية و النواحي التابعة لها، لکنني أستطيع أن أجزم بأن هذه الخطوة کانت خاطئة و إتخذت من قبل سياسيين لا يفهمون باللغة و المسائل التربوية و لا بمخاطر إتخاذ قرار کهذا و ذلك للأسباب أدناه:


* إن إعتماد لهجتين للغة واحدة للدراسة يؤدي إلی تطور کل لهجة من هذه اللهجات بمعزل عن الأخری و بمرور الزمن إلی لغة لحالها مما يجعل أبناء القومية الواحدة لا يفهمون بعضهم. لنأخذ اللغة العربية کمثال، ماذا کان يحدث لهذه اللغة لو أعتمدت اللهجة المصرية في مصر، المغربية في مغرب، التونسية في تونس، العراقية في العراق و هلمجرا کلغة الدراسة في کل دولة من هذه الدول؟ بل ماذا يحل باللغة العربية لو درس البغدادييون بلهجتهم و البصريين بلهجتم و أهل الحويجة بلهجتهم؟ عندها کانت العربية تضيع بين (لعد إشلون و چا إشلون و عجل إشلون)، أنظر إلی المتکلمين باللغة العربية، هناک أکثر من 250 مليون عربي و 22 دولة موزعة علی قارتين، مع هذا إختار الجميع اللغة العربية الفصحی لغة الدراسة و الإعلام و الدولة، مع أنه لا يوجد من يتکلم العربية الفصحی في الحياة اليومية. هل هناك مشکلة؟ هل جاء أحدهم ليقول: إنني أريد أن أدرس بلهجتي الخاصة؟


* بما أن اللغة هي أداة لإيصال و تعميم الثقافة فإن تطور لهجة إضافية إلی لغة مستقلة تقوم بإيصال الثقافة بدورها هي أيضا،و بما أن اللغة تتأثر و تؤثر علی الثقافة التي تنقلها فبذلك تولد ثقافة جديدة و قومية جديدة. خير مثال علی ذلك إنشعاب اللغة الشمالية القديمة بشکل تدريجي و التي کانت لغة واحدة حتی منتصف القرن التاسع الميلادي لسکان دول الشمال (الدول الإسکندنافية) إلی خمس لغات و هي: السويدية و النرويجية و الدنمارکية و الآيسلندية و الفيرية، و بالتالي ولادة خمس قوميات و خمس دول، الآيسلندية و الفيرية فقط بقيتا تحتفظان بمقومات و خصوصيات اللغة الشمالية القديمة.


* إختيار البهدينانية کان خطأ لسبب آخر أيضا و هو: إن هذه اللهجة هي لهجة فرعية و غير معتمدة من قبل الکورد في إقليم الشمال و إقليم الغرب، فحتی إذا کان البعض يتصور بأنه من الضروري الدراسة بالکرمانجية الشمالية فأنه من الإفضل إختيار اللهجة التي إتخذها الکورد في الإقليمين الآخرين کلغة الأدب و هي اللهجة البوتانية، هذا إذا أسلمنا بأنه مستقبلا ليس هناك من حل إلا بإتخاذ لهجيتين من اللهجات الکوردية کلغة رسميةعلی إفتراض أن البعض يقول بأنه ليس من المعقول الطلب من الکورد الساکنين في إقليمي الشمال و الغرب إعتماد الکرمانجية الجنوبية لغة رسمية لأنه لا يوجد هناك من يتکلم بها، و هذا صحيح، لکن هذا الهم هو من الهموم المسقبلية.


* مع أن هناك إدارة کوردية، مدارس و معاهد و کليات و المئات من الصحف و المجلات و العديد من القنوات الفضائية و البث الإذاعي و الکتب الکوردية تطبع کل سنة بالألوف، إلا أن اللغة الکوردية تمر بأصعب أيامها، ذلك في هذا الهرج و المرج آخر ما يفکر به المسؤلون الحکوميون هي اللغة الکوردية فهم ملتهون بأمور أخری تجعلهم ينسون خطورة الموقف، أو بالأحری هم لا يفهمون أهمية اللغة، هم لا يقرأون ما يکتب بهذا الصدد، أو هم لا يقرأون أساسا. لکل هذا فإنه لا فرصة أمام المثقف الکوردي غير إيصال صوته مباشرة إلی المسؤلين و ذلك عن طريق الإلتقاء بهم و هذه الفرصة ضعيفة و إن حدث و إلتقی بهم المثقف الکوردي فهم يستمعون و يعدون لکنهم لا ينفذون وعودهم، لکن من هو المثقف الکوردي المحظوظ الذي يلتقي بالمسؤلين و ماذا ينقل هذا المثقف إليهم، ذلك إيضا سؤال مهم.


ليس هناك فضل للهجة علی لهجة أخری، المهم إقرار لهجة واحدة في إقليم الجنوب کلغة موحدة و کحل آني و لهذا الإقليم بالذات، لکن إقرار هذه اللهجة هو من إختصاص اللغويين دون أن يتدخل السياسيون في أمورهم و هذا يتم عن طريق عقد مؤتمر لغوي لإقليم الجنوب، لدراسة مدی صلاحية الکرمانجية الجنوبية کلغة موحدة من عدمها و مدی توفر شروط اللغة الموحدة في هذه اللهجة، و في حالة التشکيك في صلاحية الکرمانجية الجنوبية و إيجاد بديل لها فستکون الکرمانجية الشمالية البوتانية (و يقينا ليس البهدينانية) هو البديل الأقوی، عندها نأتي إلی مسألة الألفباء الأصلح إن کنا بصدد توحيد اللغة في أغلب الأقاليم و هذه هي الأخری مشکلة بحد ذاتها.


نستنتج مما سبق بأن إعتماد لهجة واحدة من اللهجات الکوردية کلغة موحدة لکافة الأقاليم و في الوقت الحالي موضوع معقد جدا و هو هم مستقبلي، هناك مثل کوردي يقول: (دع هذا الهم لذلك اليوم)


إذن يبقی الحل الآني و تحديدا في إقليم الجنوب حيث تتوفر الشروط لإقرار لهجة واحدة کلغة موحدة. في تصوري فإن اللغة الکوردية الموحدة هي موجودة و قد فرضت نفسها بقوة من خلال إستعمالها لغة رسمية في المدرسة و الإعلام و الإدارة الحکومية ألا و هي الکرمانجية الجنوبية، إذن فإننا نستطيع إستخدام هذه اللهجة کلغة موحدة لهذا الإقليم مع الإهتمام باللهجات الأخری و الإستفادة منها کروافد، أما الحديث عن لهجة أخری إضافية ليس إلا مدعاة لخلق عوائق و مشاکل أما تطور اللغة الکوردية.


 -----------------------------------------------------------------------------------


ملاحظة: تجنبا لسوء الفهم فإن کاتب المقال يتکلم کافة اللهجات الکوردية و يعمل في التدريس باللهجتين الکرمانجية الشمالية بالألفباء اللاتيني و الکرمانجية الجنوبية بالألفباء الآرامي الفينيقي (العربي)، لهجته الأصلية هي الکورانية لکنه يؤلف الکتب المدرسية بالکرمانجية الجنوبية.