لا شك أن قضية كركوك والتي كانت ولا تزال ومنذ أكثر من نصف قرن من أهًمّ القضايا التي شغلت الرأي العام الكوردي والعراقي والإقليمي بل وحتى الدولي وذلك للأهمية الجيوسياسية البالغة
للمدينة إضافة كونها نقطة ارتكاز تلاقي وافتراق المصالح والإرادات والمصائر, ولكل حسب رؤيته وحساباته واستراتيجياته..
فبالنسبة للكورد فان قضية كركوك أضحت رمزا للاستلاب القومي وإهدار الكرامة القومية
ومفتاحا لاسترجاع بعض الحقوق التاريخية المهدورة والمصادرة بموجب الاتفاقيات الدولية
وخاصة بعد اتفاقية لوزان وسايكس بيكو, وكذلك من حيث ان لا تقدم إلى الأمام في حل القضية الكوردية في العراق حلا نهائيا دون الاعتراف بحدود إقليم كوردستان وإبقاء مسألة كركوك هكذا معلقة تعني بالضرورة هلامية وهشاشة الفيدرالية الكوردستانية على الأقل من الناحية الجغرافية والتي ستكون لها تبعات اقتصادية وإدارية بالضرورة.
أما بالنسبة للعراقيين (عدا فئة قليلة منهم), فانهم يعتبرونها جزءا هاما من الجسد العراقي وتابعيتها إلى إقليم كوردستان يعني سلخها من الجسد العراقي وبداية لإنشاء الدولة الكوردية المزعومة وتفتيت العراق !!!!!
والدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا تعتبرها تهديدا مباشرا لوضعها الداخلي ودعوة مجانية (لكوردها) بالمطالبة بالمثل سيما أن نفوس الكورد فيها أضعافا مضاعفة قياسا الى كورد العراق ..
أما بالنسبة للدول الكبرى وبالأخص أمريكا وانكلترا وهما اللاعبين الدوليين الأساسيين في العراق اليوم, فإنها تعتبر مسألة كركوك الورقة الرابحة لحلب القوى الكوردية الرئيسية ودفعها أكثر فاكثر لتبني وترويج أطروحاتها وبالأخص قانون النفط والغاز والاتفاقية الأمنية الإستراتيجية باعتبار الجانب الكوردي هي الأكثر رصانة وتراصّا من أية جهة عراقية أخرى , وكوردستان الأكثر استقرارا من باقي مناطق العراق.
إن قراءة ممعنة لخارطة التاريخ المأساوي للمدينة تظهر الآتي: فالدول الكبرى الفائزة في الحرب
الكونية الأولى قد قسمت كوردستان وفق مصالحها واليوم تتابع تلك استمرارية المصالح , القديمة والمستٍجدّة ,و الدول الاقليمية تحشر انفها في قضية كركوك بمختلف الحجج بغية استحصال جزء
جزء من الكعكة البترولية الدسمة وهي متوافقة وتوّاقة لاستمرارية هذا التقسيم الجائر لأنها تعبر عن طموحاتها الشوفينية أيما تعبير,أما الدولة العراقية فإنها اختطفت كركوك من ساكنيها الأصليين
واستبدلتهم بمئات الآلاف من( العشرة آلافيين) ..... وهي لا تزال في قرارة نفسها اليوم ورغم مرور أكثر من خمسة أعوام على سقوط الدكتاتور تتمنى لو استطاعت أن تبقي الأوضاع على حالها رغم علمها الأكيد والموثوق بحجم الإجحاف والظلم اللتان لحقتا بالكورد طيلة نصف قرن أو يزيد.
إن مجمل الحقائق التاريخية والجغرافية في كركوك تؤكد أغلبيتها الكوردية وكونها جزءا من حيويا من كوردستان أرضا وشعبا ,والمجال لا يسع لنا الدخول في تفاصيل أشبعها الكثيرون بحثا وطًرقا,
فلو لم تكن كركوك كوردية لما قام صدام بتعريبها , ولو لم تكن أرضها كوردستانية لما قام
بتجزئة أشلائها وتفتيت كيانها الإداري وتوزيعها على المحافظات المجاورة.
لا غًرو أن اكبر خطأ ارتكبه الكورد في القرن الحالي هو قبولهم بإدراج قضية كركوك ضمن آلية الدستور العراقي الهش وقبولهم الأخذ والرد حول قضية كان يجب اعتبارها محسومة في عقل
وفعل وإرادة القيادات الكوردستانية مسبقا, وقد يستغرق دفع ثمن هذه الفاتورة لعدة أجيال قادمة هذا إذا لم يؤدي ذلك إلى ضياع كركوك نهائيا وبترها من جسد كوردستان الأم, كما ضاعت مدن أخرى في أجزاء أخرى من كوردستان.
المعروف ان الإدارة الأمريكية وبعد احتلالها للعراق بحجة إسقاط النظام الدكتاتوري باتت تتخبط
في أتون المستنقع العراقي, ويوما بعد يوم تغوص فيها أكثر وأكثر, نازفة دماء وأموالا دون تحقيق
أية نتيجة ملموسة على الأرض وحتى شعاراتها البراقة في دمقرطة العراق بل ومنطقة الشرق الوسط بأكملها !!!!قد أصبحت سرابا بعيد المنال....ولكون هذه الإدارة بعيدة عن الواقع العراقي والقوى
المحركة لها فإنها لجأت في كثير من المعضلات إلى استشارة جهات دولية لها الخبرة والباع الطويل في التعامل مع الأزمات لتبيان رأيها وتوصياتها حول الوضع العراقي وعقدها المستعصية ,والتي كانت مجبرة أن تتبناها وتعمل على هديها في أكثر الأحيان باعتبار هذه المراكز جهات دولية خبيرة بالشأن العراقي وتتصف بمصداقية ومهنية عالية في التعامل مع الأحداث وتحليلها وان إحدى هذه الجهات هي(المجموعة الدولية لإدارة الأزمات):
(International crisis group)
, وهي منظمة غير حكومية لها فروع في أكثر من خمسين دولة ويشرف عليها خبراء ذو كفاءة وخبرة عالية في إدارة الأزمات وهم في اغلبهم رؤساء وزارات ووزراء خارجية بلدانهم كاستراليا وأمريكا,منهم على سبيل المثال (اللورد كريستوفر باتن ,المفوض السابق للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي, توماس بيكرينغ السفير الأمريكي السابق ,كارث ايفانز وزير خارجية استراليا السابق) ..... وفيما يخص متابعة الوضع العراقي فان لها مقرات في كل من بغداد وعمان ودمشق واسطنبول وكركوك إضافة إلى بروكسل ,وان الإدارة الأمريكية بل وحتى الأمم المتحدة تأخذ بتوصياتها بصورة أكثر جدية وعلى سبيل المثال فان الولايات المتحدة قد عدلت الكثير مما جاء في توصيات ما سمي بتقرير (بيكر_ هاملتون ) بناء على التقرير الصادر من هذه المنظمة والتي جاءت تحت عنوان (ما بعد تقرير بيكر_هاملتون) (1).
إن قيام بعض الجهات المعادية للكورد بالأساس والعميلة لجهات خارجية (الجبهة التركمانية) بالمشاركة مع بعض الجهات العربية في كركوك بتضخيم المخاطر في كركوك وإظهار المدينة وكأنها على وشك الانفجار وإنها برميل بارود قابل للانفجار في أية لحظة , على الرغم من تمسك الكورد بأقصى درجات الصبر والانضباط في معالجة مسالة كركوك , دفعت الأوساط الدولية ومنها الأمم المتحدة بتصنيف و اعتبار المدينة ضمن المناطق المتأزمة في العالم , وأوعزت الى ممثليها بالتركيز عليها ونزع فتيل الانفجار منها !!! ولهذا أدخلت هذه المنظمة مسالة كركوك ضمن نشاطاتها(2) ....
ان فشل القيادات الكوردية في التعامل مع هذا الملف الحساس و المصيري بالشكل الذي يستحقه , مع الجهة الحقيقة المسئولة عن ملف كركوك وهي الحكومة العراقية كونها أزمة عراقية داخلية صرفة,لا دخل لأية جهة دولية فيها لأنها أصلا قضية تخص الطرف الكوردي المظلوم والحكومة العراقية التي مارست هذا الظلم لأكثر من نصف قرن ,وان العجز ومسلسل الأخطاء الكوردية ,
وعدم إمكانية القيادة الكوردية تحقيق أي تقدم في إحقاق هذا الحق الكوردي المسلوب أوصلت القضية إلى ما وصلت إليها الآن .
و ها هي تتعقد يوما بعد يوم,و قد أوقعت هذه القيادة نفسها في خطأ آخر هذه المرة , وهي رمي حملها على عاتق الأمم المتحدة .... والحقيقة ان محاولات تدويل قضية كركوك هي محاولات قديمة وكان أعداء الكورد وعلى رأسهم تركيا وجبهتها التركمانية العميلة هي التي تطبل لها وتتبناها ليل نهار على أمل اعطاء المشروعية لتركيا بحشر انفها في قضية كركوك ,ومن ثم تعلمت الأوساط العربية في كركوك أيضا( الحويجوية والعشرة آلافية) العزف على نفس الاسطوانة........ وما كان ينبغي للقيادات الكوردية أن تستلم لهذه الإرادات الشريرة التي تريد تمييع القضية (والمعروف ان أية قضية توكل إلى الأمم المتحدة مصيرها التسويف والتآكل), ومن ثم أن موقع الأمم المتحدة في هذه المعادلة الجديدة هو موقع المستشار الغير الملزم أي انه لا قيمة فعلية لتوصياتها سواء إذا ما جاءت لصالح الكورد(وهذا احتمال بعيد ,كما سآتي إلى ذكره لاحقا) أو كان بالضدّ منها أي ان كل ما سيحصده الكورد من هذه المحاولة الجديدة هو المزيد من ضياع الوقت والجهود والآمال.....
والآن سآتي إلى لب الموضوع وهو من أين يستمّد ديمستورا توصياته,والحقيقة ان مقترحات
وتوصيات ديمستورا سوف لا تخرج بأي حال من الأحوال من الأطر التالية كصيغة نهائية:
:ايجاد حلول مرضية تتفق عليها جميع الأطراف عن طريق التفاوض والتوافق!!!!1
2:تقاسم السلطة بشكل متساوي لكل الأطراف المتواجدة في كركوك !!!!
3:الترويج لمحو فكرة إجراء الاستفتاء حول كركوك نهائيا وعداد الجماهير الكوردية بقبول حلول وسط ,
4:التمهيد لإعداد البرلمان العراقي لإصدار مسودة (ميثاق كركوك) يكون بمثابة بديل قانوني للمادة 140.
:محاولة توحيد الرؤية السياسية لموضوع كركوك من قبل الحزبين الكورديين لضمان تمرير 5
كل المخططات المستقبلية فيما يخص الإعداد لتكوين إقليم مستقل لكركوك والتخفيف من اللهجة النارية وخاصة من قبل رئيس إقليم كوردستان.
:إبقاء كركوك كإقليم مستقل لفترة محدودة في البداية ومن ثم تكريس ذلك كأمر واقع نهائيا.6
:ومع جهود ديمستورا (الدبلوماسية) ستتزامن جهود أخرى أمريكية مع قيادة الحزبين باتجاه:
1: إعداد جماهير كوردستان لقبول الحلول المقترحة والتخلي عن فكرة إلحاق كركوك بإقليم كوردستان.
2: تنسيق الجهود مع الدولة التركية للتضييق على حزب العمال الكوردستاني وزيادة المصالح الاقتصادية بين إقليم كوردستان وتركيا,
3: الاتفاق مع حكومة إقليم كوردستان لتقاسم الموارد النفطية والمضي في سن قانون الموارد النفطية لربط حكومة إقليم كوردستان بالمركز اقتصاديا بشكل اكبر.
1:
http://www.crisisgroup.org/home/index.cfm?id=4580&l=6
2:
http://www.crisisgroup.org/home/index.cfm?id=4267&l=6
safwatjalal@hotmail.com