|
|
المالكي..... وسياسة اللعب بالنار الجزء الأول
صفوت جلال الجباري
چوارشهممه-25-شوبات(مانگی 2)-2009-
هنالك مبدأ ميكافيلي كثيرا ما اتبعته أغلبية تلك الجهات السياسية التي تعادي الكورد شعبا وحقوقا وهذا المبدأ معروف بالعامية (أتمسكن إلى أن تتمكن ) أي إبداء المرونة والموافقة التكتيكية في حالة الضعف والانتظار إلى أن يتصلب العود والمقدرة ومن ثم التراجع ونكث العهود والمواثيق وتجاهل الاتفاقات المبرمة, وهذه الفلسفة الميكافيلية كانت احد الأركان أو المبادئ التي سار عليها الدكتاتور صدام طيلة فترة حكمه واتبعه مع مختلف القوى السياسية العراقية وكذلك مع جيرانه من العرب وغير العرب , وهذا بالضبط ما يحاول المالكي وحزبه الشيعي الدعوي أن ينحى إليه ويسوِقُه مجددا و يلعب تلك اللعبة القذرة والخطيرة في آن واحد مع الكورد كما فعل أسلافه الصداميون قبلا وأدى بهم في النهاية إلى ما آل إليه وضعهم من سقوط مشين ومآسي شمل العراقيين قاطبة. فإذا ما تسلسلنا بالإحداث القريبة في العراق إبان سقوط أو بالأحرى إسقاط الديكتاتور السابق صدام حسين وموقف كل الأحزاب والاتجاهات السياسية الفاعلة آنذاك على الساحة السياسية , لوجدنا أن موقف حزب الدعوة كان غريبا آنذاك حيث انه رفض أية مشاركة في ذلك التغيير , لأن عملية التغير التي كان مفترضا بها أن تحصل كانت ستتم بأيادي أمريكية أي(الشيطان الأكبر ) بمنظور حزب الدعوة والدولة الراعية والمؤسسة والحاضنة لها (إيران), ولذلك فان هذا الحزب ومعه بعض الجهات الأخرى من المعارضة العراقية قد وقفوا منه موقفا لا مباليا بل معارضا , لأنه وببساطة شديدة كان هذا توجها رسميا للحكومة الإيرانية آنذاك رغم عدائها الشديد للنظام المقبور بالإبقاء على نظام الطاغية خوفا مما سيحصل بعد التغيير على مستوى العراق والمنطقة, وانه لمن المفارقات وسخرية القدر أن يكون هذا الحزب وتلك الدولة اليوم ليسوا فقط من أكثر المستفيدين من ذلك التغيير بل أن حزب الدعوة الذي بالكاد استطاع الصعود لاهثا في القاطرة الأخيرة من قطار التغيير, أصبح اليوم وبقدرة قادر هو الذي بيديه مقوّد القاطرة و يقود القطار لوحده!!!,بل و بدأ يؤسس لدكتاتورية من نوع جديد ليس بعيدا عما موجود لدى الجارة إيران, اما ايران فهي الاخرى قد أخذت تتمادى في تغلغلها في كل المفاصل الحيوية في العراق بمساعدة حلفائها ووصلت الصلافة بها إلى أن يتجول قنصلها في البصرة على صناديق الاقتراع أثناء الانتخابات الأخيرة و أمام أنظار حكومة المالكي الوطنية جدا, ويكاد التأريخ يعيد نفسه حينما سحب الملا لي في إيران البساط من تحت أرجل كل المعارضة الإيرانية لتنفرد في الحكم وتورط الشعب الإيراني في المآسي التي لازالت تدفع ثمنها إلى اليوم وأمامها مستقبل اظلم بكثير, ولم يخطئ أبدا مستشار الحاكم الأمريكي بول برايمر (جون اغريستو ) الذي قال يوم أمس أن الأمريكان هم من ضحوا من اجل تغيير نظام الحكم في العراق وان إيران هي التي قد استفادت من كل ذلك .
لاشك أن الكورد كانوا من أوائل المتحمسين لسياسة تغيير النظام وقدموا تضحيات كبيرة وخاطروا بأرواح شعب كوردستان إبان التغيير أمام ماكنة صدام الحربية الرهيبة, التي كانت دول لها لديها الكثير من وسائل الدفاع والدعم (دول الخليج) مثلا تتخوف وتهاب من قوة وجبروت وانتقام ذلك النظام الغاشم, وكانت تتحرك بكل دبلوماسية وحذر وحتى أن الأمريكان أنفسهم ما فكروا بالشروع بالعمليات العسكرية ضد النظام إلا بعد اتخذوا كل الاحتياطات الضرورية لحماية أرواح جنودهم من مغبة الرد ألصدامي بالأسلحة الكيماوية في حالة شن الهجوم العسكري, كل هذا و قيادات حزب الدعوة آنذاك تقف بعيدة ومتفرجة و مترددة في كل من سوريا وإيران وتراقب الموقف وتتخذ موقف النأي عن الدخول في أتون عملية التغيير المحفوفة بالمخاطر ولم تقبل حتى المشاركة في العملية السياسية إلا بعد إلحاح وتشجيع القيادات العراقية الأخرى وأبرزها القيادات الكوردية وذلك بعد إسقاط النظام خاصة وذلك حينما تم الشروع لتأسيس نظام سياسي تخلف النظام الذي انهار كما تنهار كتلة الثلج أمام أشعة الشمس اللاهبة ولملمة أشلاء الدولة العراقية المنهارة,ولا شك إن جزءا من دواعي تردد حزب الدعوة خصوصا كان ينبع من عدم استلام الضوء الأخضر من إيران التي كانت وراء تأسيس وإدامة هذا الحزب والذي رأى النور لأول مرة بعد نجاح الثورة العراقية عام 1958 وكان ردا من الدوائر الامبريالية والرجعية آنذاك لوضع العصي في عجلة تلك الثورة , ولكنها كانت منحصرة في بعض علماء الدين الشيعة ولم تستطع النمو والتطور إلا في أواخر السبعينيات بعد استلام نظام الملا لي الحكم في إيران وبدء الحرب العراقية الإيرانية , وبعدها كان غزو الكويت والانتفاضة الشعبية في عموم العراق ومحاولة إيران التدخل مجددا في الشأن العراقي عن طريق هذا الحزب وخاصة في الجنوب العراق مما كان السبب الرئيسي في تخلي الأمريكان عن فكرة إسقاط النظام وأدى إلى المزيد من المعاناة والاضطهاد لعموم الشعب العراق لفترة أخرى امتدّت لعقد من الزمان قاسى فيه العراقيين الأمرين من جراء بطش النظام من جهة ووطأة الحصار الجائر على الشعب العراقي من جهة أخرى, ثم كان القرار الأمريكي بإزاحة النظام بالاعتماد على القوة العسكرية وتأييد من الكثير من القوى والشخصيات العراقية المعارضة وعلى رأسهم الكورد وقياداتهم التقليدية المعروفة.
وبقية القصة معروفة أثناء فترة مجلس الحكم التي كانت قد حظيت خلالها كل التيارات السياسية تقريبا بحظوظ متقاربة في المشاركة في( الحكم) وكان الكورد وقيادته هم النواة في إدارة وتوجيه العملية السياسية ومن ضمنها أيضا تشكيل اللبنات الأولى للجيش العراق الجديد,لان الجيش الصدامي العقائدي كان قد انهار بكامل تشكيلاته أثناء عملية التحرير ,وتم بعدها التفرغ من اجل وضع الحلول الممكنة للمشاكل المعقدة التي خلفها النظام وتم ولاول مرة في تأريخ العراق الحديث كتابة الدستور العراقي بأسلوب توافقي ولكن من منظور التنازل والتوافق لإيجاد حلول وسط لمجمل المشاكل ولتمشية العملية السياسية نحو آفاق أفضل, وكان الكورد على الرغم من حصولهم على بعض المكاسب في الدستور فإنهم كانوا من أكثر المتنازلين وخاصة في مجال الأسس الديمقراطية ومستقبلها في العراق أي أنهم ركزوا على ذلك الجزء من شعارهم القديم الذي يخص حقوق الشعب الكوردي دون التركيز على الجانب الأهم في المعادلة وهو إحقاق الديمقراطية للعراق وهذا ما شكل بحسب رأيي المتواضع خطأ إستراتيجيا كبيرا كما سآتي الى تفصيله في الأجزاء القادمة من هذا المقال, وبالتالي فالدستور بشكله الحالي هو الأقرب للدستور الإيراني منها لدساتير الدول المتطورة والديمقراطية ,وتم السماح بورود نصوص متعارضة لأبسط المفاهيم الديمقراطية,وخاصة فيما يخص ربط الدين بالدولة وحقوق المرأة والكثير من الأمور التي تغاضى عنها الكورد رغم توجههم العلماني المعروف , ومع ذلك فقد تم في الدستور الاتفاق على النظام الفيدرالي كنظام إداري ناجح لإدارة العملية السياسية وتم وضع الحل الناجح لمسألة كركوك باعتبارها أهم نقطة خلافية بين الكورد والحكومات المتلاحقة في بغداد منذ حوالي نصف قرن وتم الاتفاق على اعتماد المادة 140 نصا وروحا لحل المشكلة نهائيا , وبذا تنفس الكورد الصعداء لأول مرة في تأريخهم الحديث و منذ تأسيس الدولة العراقية , وهكذا انتقلت القيادات الكوردية بكل ثقلهم و كل جهدهم نحو المركز لرأب الصدع الناشئ من سقوط النظام وحدوث الخلل بين مكوناته الرئيسية وبالأخص المكونين المذهبيين الرئيسين( السنة والشيعة) والتي كانت البوادر تشير إلى قرب حدوث حالات استفراد وإنشاء مليشيات للانتقام من السنة تحت مختلف التسميات واليافطات الطائفية التي أكلت الدهر عليها وشرب. ثم تم بعد إقرار الدستور واستلام احد قادة حزب الدعوة دفة الحكم بحكم الاستحقاق الانتخابي وبالاستفادة من الأكثرية الشيعية المتعطشة للحكم مقابل نزوع السنة إلى النأي عن الانتخابات وعدم استقرار مناطقهم, والتحالف الغير المشروط بين الكورد مع الشيعة بناءا على توجهات عاطفية بعيدة عن المفاهيم والأعراف السياسية السائدة و بصيغ مختلفة مما اضعف الدور السني واخّل كثيرا بتوازنات القوة في داخل العملية السياسية واعتقد الكورد( مخطئين) بان الشيعة لكونهم مظلومين مع الكورد من جراء النظام السابق سيكونون الأقرب إلى تحقيق طموحاتهم المشروعة وتجاوز مظالم الماضي وهنا كان الخطأ الكبير والحسابات الخاطئة للقيادات الكوردية التي لم تستفد من دروس الماضي وكذلك لم تتطلع مليا إلى ما عاناه إخوتهم كورد إيران وبقية المكونات الغير الشيعية في إيران من جراء السياسة الفاشية لذلك النظام الكهنوتي المتخلف الذي ينهل من نفس المنهل التي تستسقي منه القيادات الشيعية العراقية بمختلف مسمياتها . وحالما ثبّت الشيعة وضعهم السياسي والعسكري في العراق قاموا بالالتفاف على كل تعهداتهم السابقة ومنها مسألة المادة 140 الذي بدأ الجعفري بالتسويف والتأجيل ووضع العراقيل أمامها إلى أن نشب خلاف كبير بينه وبين القيادة الكوردية مما أدى إلى إزاحته من رئاسة الوزارة والإتيان بخلفه المالكي الذي أبدى كسابقته مرونة في البداية موقعا تعهدات خطية مرتبطة بجدول زمني لمعالجة مسألة كركوك , ثم بعد ثبّت إقدامه وعزز موقعه ظهرت حقيقته الذي لم يكن يختلف عن سلفه الجعفري كثيرا إذا لم يكن الأسوأ , والذي كما يقول المثل الكوردي (رحم الله سارق الأكفان), وبدأت تلوح في الأفق بدايات للخلافات الكوردية المالكية والتي تتلخص في :
1: محاولات التملص من تنفيذ المادة 140 والتدخل في وضع كركوك تحت تأثير الجبهة التركمانية ومن خلال الأعضاء التركمان المندّسين في حزبه وبقية التنظيمات الشيعية تحت يافطة الطائفية . 2: اختلاق المشاكل فيما يخص الميزانية للإقليم . 3: وضع المشاكل فيما يخص تخصيصات قوات البيشمركة وأعدادها ومهامها. 4:محاولة الالتفاف على الكورد فيما يخص عقد اتفاقات مع بعض دول الجوار وبالأخص تركيا مع علمها بحساسية هذه الموضوع بالنسبة للكورد. 5:إرسال الجيش إلى مناطق ذات أكثرية كوردية رغم استقرار الحالة الأمنية فيها كخانقين وكركوك مؤخرا. 6:البدء بإنشاء ما سمي بمجالس الإسناد من اجل خلق البلبلة خاصة في المناطق المتنازعة . 7:عدم الجدية في حل مشكلة عقود النفط . 8:تحريك قوات عسكرية ذات أكثرية شيعية ومن حزبه بالذات صوب حدود إقليم كوردستان بغاية استعراض العضلات والتلويح باستخدام القوة في إخضاع الكورد . 9:محاولة إرجاع الضباط البعثييين للتلويح للكورد بأنه يستعد للاستفادة من خبراتهم في مقاتلة الكورد كما كان في الماضي. 10:اتهام الكورد بأنه يتحرك في الأوساط الدبلوماسية وعلى مستوى الخارج كدولة مستقلة. 11: التلويح باتخاذ المركزية كأسلوب للحكم والتراجع التدريجي عن مفهوم الفيدرالية الذي هو ركن أساسي من أركان الدستور والمطالبة بتغيير نصوص الدستور بما (يقلم أظافر الإقليم). 12 : افتعال أزمة فيما يخص العقود المبرمة من قبل الإقليم فيما يخص الاستثمارات في مجال الحقول النفطية وتطويرها . هذه بشكل مختصر ابرز الملفات والمشاكل الحاصلة مع قيادة المالكي وهناك بالتأكيد أخطاء كوردية في إستراتيجية التحالف آو الأداء السياسي سأعرج عليها أيضا خلال الأجزاء القادمة من هذه المقالة تباعا. safwatjalal@hotmail.com
|
|