|
|
شعب مظلوم وقيادة عاجزة
صفوت جلا ل الجباري
سێشهممه-30-حوزهیران(مانگی 6)-2009
(شعب مظلوم , وقيادة عاجزة) هو الوصف الأكثر دقة لما يمكن أن يوصف به ما آل إليه مصير الشعب الكوردي وقضيته العادلة في عراق ما بعد سقوط الصنم الدكتاتوري صدام, وما أوصلته إليه القيادة السياسية الكردية الحالية التي أصبحت عاجزة كليا عن قيادة نضال هذا الشعب والاضطلاع بمهام تأمين مستقبل واعد وحياة آمنة ومستقرة ومزدهرة لهذا الشعب الأبي في هذه المرحلة الحساسة من تاريخه النضالي قياسا وبما يتوازى مع عظم تضحياته وكبر المآسي التي مرّ بها في تأريخه المعاصر تحديدا ,رغم ان هذا الشعب قد وضع كل ثقته وآماله وتطلعاته على عاتقها ووضع جلّ امكانياته بل وحتى دماء خيرة أبناءه رهن إشارتها, ولكن دون جدوى...,إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار وضع الشعب الكوردي ومسلسل المظالم التي تعرض لها ولا يزال في جنوبي كوردستان حصرا (كون ما يعاني منه شعبنا في باقي أجزاء كوردستان أكثر إيلاما وقسوة) , نجد أن كل ما سجل في أبجديات الظلم والقهر والاضطهاد التي مرت على شعوب العالم قاطبة لهي مسجلة ومكررة في صفحات تاريخ شعبنا وبصورة مضاعفة.
شعب مظلوم
الظلم الأول:
الذي جاءنا من إفرازات التاريخ الحديث وصراعاته الدولية ومعاهداته الجائرة والتي كان حصة شعبنا فيها الإجحاف والنكران والتقسيم , معاهدات سايكس بيكو وغيرها تلكم الخرائط والحدود المبتدعة والمشؤومة التي تمخضت عنها التي تم بموجبها تفتيت ارض وشعب , بل تاريخ و جغرافية كوردستان وتوزيعها بين أربعة دول مصطنعة وتركها عرضة لمخالبهم ومآربهم الشريرة ,وقد أدى هذا الفعل الشنيع والمستديم إلى يومنا هذا إلى حرمان هذا الشعب المناضل من دولته القومية ووحدة أراضيه أسوة بكل شعوب المنطقة والعالم (عدا استثناءات قليلة, وحصرا ما يعانيه الشعب الأمازيغي الصديق من نفس الداء المماثل ), وكان هذا الفعل الاستعماري العدائي تجاه شعبنا وآماله وتطلعاته المشروعة والعادلة, موطن ومبعث كل المصائب التي ابتلى بها شعبنا بعدئذ , والذي جذّر المشكلة وجعلتها تتفاقم يوما بعد يوم , إن الدول التي تم توزيع شعب وارض كوردستان عليها تعتبر من اشّد الدول عنصرية وتخلفا, ولسلطاتها الحاكمة تاريخ طويل في قهر واستلاب الشعوب والأمم المجاورة , تحت مسميات الدين أو القومية أو المذهب( عربا وفرسا وتركا).
الظلم الثاني:
وهذا شمل ذلك الجزء من الشعب الكوردي الذي يعيش في جنوبي كوردستان تحديدا,و بدأ مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة واكتشاف النفط اللعين في منطقة بابا كوركور في كركوك ... ومعه ابتدأت جحافل الغزو العربي من الوسط والجنوب بالتوجه صوب كركوك تحت يافطة التوظيف أو إعادة توطين البدو , في عملية استيطانية أشبه بالمستعمرات الصهيونية في فلسطين و الاستيطان الفرنسي والايطالي في الجزائر وليبيا,حيث تم توظيف المئات والآلاف من العمال من وسط العراق حصرا في شركة نفط العراق ,ومعها بدأ أيضا الاستيطان العشائري لعرب العبيد والجبور في مشروع ري الملحة(الحويجة لاحقا) وتم توزيع الأراضي الزراعية عليهم بسخاء, و التي تم بعدئذ استصلاحها وتوفير احدث قنوات الري لها وفق ما يسمى في هندسة الري(نظام كاليفورنيا) , تلك الاراضي التي كانت قبلها ملكا صرفا للكورد(تابعة للأغوات من الكورد من أمثال المرحوم احمد خانقاه ), وبالمقابل تم ترحيل ساكني القرى الكوردية تحت تهديد السلاح من هذه القرى ودفعها باتجاه منطقة قراج في سهل اربيل وذلك في الثلاثينات من القرن الماضي وبالتحديد اثناء تولي ياسين الهاشمي لرئاسة الوزارة العراقية والمعروف عنه توجهاته القومية وتنسيقه وتشاوره حتى مع الساسة الاتراك في مضمار تعريب هذه المناطق وتقليل التواجد الكوردي فيها ...... ولاحقا تحت حكم البعث الفاشي(الأول والثاني) بدأ ت عملية التعريب تأخذ منحى واسعا ومنظما شمل مئات الآلاف ممن درج على تسميتهم (بعرب العشرة آلاف) تغزو كركوك وضواحيها ,مستغلة الامتيازات الخيالية التي وفرتها لهم الحكم الفاشي ألبعثي من قطع أراضي أو بيوت أو منح مالية كبيرة ووظائف جاهزة ,وبالمقابل تم ترحيل الكورد من المدينة وضواحيها بأسلوب إرهابي همجي وتحت جنح الظلام , وبحجج واهية لا تستند إلى أي عُرف أو قانون سوى عٌرف الغاب وسلطة القوي على الضعيف , إضافة إلى المخطط الجهنمي في تفتيت كيان المحافظة وسلخها من كل الأقضية والنواحي الكوردية التي كانت تتبعها , والإبقاء على القضاء (العربي) الوحيد (الحويجة) ,في عملية شيطانية ماكرة للقضاء على الوجود الكوردي في المحافظة وتقليلها إلى ابعد حد ّ ممكن.
الظلم الثالث:
تهجير مئات الآلاف من الكورد الفيليين بأسلوب نازي قاسي, والحجز على كل ممتلكاتهم وتجريدهم من وثائقهم الثبوتية وقذفهم إلى خارج الحدود عبر حقول الألغام وحجز الآلاف من شبابهم وسوقهم إلى مخابر التجارب الكيمائية وحقول الألغام في جبهات القتال , ولا تزال الأغلبية من كوردنا الفيلية إما مشردين في المنافي أو مهجرين في معسكرات اللاجئين البائسة في إيران, ومن حاول منهم العودة إلى العراق لم يستطع لحد اللحظة من إعادة أي جزء من ممتلكاته او حتى وظيفته وحقوقه المدنية, ولا تزال كل القوانين الجائرة منذ عهد صدام سارية المفعول بحقهم في عراق ما بعد صدام, وفي دولة رئيس وزراءه من نفس الطائفة الشيعية والمذهب الذي يدين به كوردنا الفيلية !!!!
الظلم الرابع:
حينما تم إلحاق ولاية الموصل بالعراق عام 1925 فيما عرف في وثائق عصبة الأمم بمسألة الموصل كانت هناك توصية واضحة بمنح شعب كوردستان المزيد من حقوقه الإدارية والثقافية ,وقد تنصلت الحكومات العراقية (العربية السّنية) الواحدة تلو الآخر من هذه الحقوق رغم الثورات المتكررة لشعب كوردستان إبان عهد الانتداب البريطاني والحكمين الملكي والجمهوري, وبقيت عقلية الاستحواذ و الهيمنة والتسلط القومي على حالها رغم تبدل الوجوه والازمنة والظروف , وقد اختار شعب كوردستان (بعد انتفاضة عام 1991 ) النظام الفيدرالي ضمن العراق في قرار شعبي عارم عام 1992 ,وقد تم تثبيت هذا الحق في الدستور العراقي , ولكن لحد اللحظة لا توجد آلية واقعية في تفعيل الفيدرالية وتثبيت حدودها وصلاحياتها وعلاقاتها الواضحة مع المركز , بل وتخلو خطابات كل السياسيين( من غير الكورد) حتى من لفظة الفيدرالية وتعالت في الفترة الأخيرة أصوات من داخل الحكومة والبرلمان بإعادة النظر في الفيدرالية تمهيدا لإلغائها نهائيا (بعد أن تثبت أركان الدولة العراقية وتتقوى أكثر فأكثر),والاكتفاء بتشريع مماثل ( للحكم الذاتي) الذي وافق عليه صدام في سبعينيات القرن الماضي كحد أعلى .
الظلم الخامس :
لم يتعرض أي شعب في التاريخ المعاصر إلى القصف الكيماوي من قبل الدولة التي يعيش ضمنها غير الشعب الكوردي, فمأساة حلبجة تعتبر بحق اكبر تراجيديا إنسانية بعد القنبلة الذرية على هيروشيما ,أن يٌقتل أكثر من خمسة آلاف إنسان برئ بهذا الأسلوب الوحشي , ويتم بعدئذ حتى التشكيك في مصداقية هذه الابادة الجماعية والتنكر لها (بالضبط كما يحلو للبعض التنكر للمحرقة اليهودية بدوافع عنصرية) إنما هي ممارسة لا تليق إلا بالشعوب المتوحشة والحكام الظالمين في التاريخ, والدولة العراقية بدلا من أن تعتذر للشعب الكوردي مما اقترفته نظام صدام بحق هذا الشعب ليكون ذلك عبرة للآخرين وتقوم بتعويض أهالي الضحايا و الباقيين على قيد الحياة منهم , نرى اليوم أصواتا نشاز ومن داخل البرلمان العراقي المنتخب , وهي بالتأكيد لا تفرق كثيرا عن أصوات وأفكار مرتكبي مجزرة حلبجة الأصليين يشككون في هذه المجزرة وذهب بعض الساقطين منهم إلى اعتبار أنها كانت فبركة إعلامية وان الأطفال المخنوقين بالغاز السام ما هم إلا دمى!!!!
الظلم السادس:
مأساة الأنفال ,إذا كان هناك جريمة فاحشة وظلم بالغ قد ارتكب بحق أي شعب (عدا الشعب اليهودي على أيدي النازية الألمانية) , فهو جريمة الأنفال , تلك الجريمة التي حفرت جرحا في قلب ووجدان كل كردي لا يمكن ان يندمل ابد الدهر ,والجريمة سواء بحجمها (182 ألفا من الضحايا الأبرياء) أو بأسلوب ارتكابها (التخلص من الضحايا بدفنهم أحياءا في صحارى الجنوب العراقي) , لهي اكبر لطخة عار في جباه كل من يعادي الكورد بل حتى من سكت او تغافل عنها ولا يزال يعمل من اجل حجب الحرية والحقوق المشروعة من الشعب الكوردي , وهي كذلك تستحق ان تعتبر عملية ابادة جماعية بحق شعب آمن وعلى الدولة العراقية ان تعوض ضحاياها كما تقتضيه القوانين الدولية السارية .
قيادة عاجزة لا شك إن القيادة التي لا تستطيع أن تحقق أهداف شعبها الإستراتيجية ولا تستطيع أن تقدم الخدمات الضرورية والبسيطة لأبناء شعبها لهي فعلا قيادة عاجزة وعجوزة ومترهلة وهي فاشلة بكل المقاييس وتتجلى عوامل فشلها :
اولا : الفشل في توحيد الصف الكوردي
بعد كل المظالم التي سردتها آنفا وسلسلة المآسي التي مرت على شعبنا الكوردي , كان يفترض على القيادة السياسية الكوردية ان تتوحد في مواجهة التحديات الجمّة التي تواجه شعبهما وخاصة بعد بروز ظرف جديد لم يكن احد يحلم بها ألا وهو نية أمريكا و إصرارها على إسقاط نظام صدام الدموي ,كان عليها أن تضع كل خلافاتها جانبا وتتوجه صوب الظرف الجديد تخطيطا وبرنامجا وتنفيذا , ولاسيما إن ما حدث في العراق كانت فرصة لن تكررها التاريخ مرة ثانية , وكانت كل البشائر تشير إلى ضعف وانتهاء سيطرة أعداء الكورد من النظام السابق وأعوانه واستجد ظهور لاعب جديد في المعادلة العراقية واعني به الولايات المتحدة الأمريكية وهي دولة عظمى و معروفة بعدائها المستحكم ضد اثنين من الأنظمة المحتلة لكوردستان وطالما وصفتهما بمحاور الشيطان(إيران وسوريا ) وبدأت تخطط فعليا بإسقاط النظام الثالث(العراق) , إضافة إلى عقوق وامتناع المحتل الرابع (تركيا) في إبداء المساعدة للقوات الأمريكية على فتح الجبهة الشمالية وإجبارها بسحب قواتها منها والتوجه إلى الجبهة الجنوبية حصرا رغم إرباك خططها وتحملها للمخاطر الناجمة عن ذلك , رغم كل هذه المعطيات فقد تورط الحزبان الكورديان في حرب اقتتال داخلية ظروس اودى بحياة الالاف من خيرة شباب الكورد اضافة الى جرح وتعويق اعداد اكثر وتشريد وتهجير اعداد مضاعفة ,وكانت نتيجة ذلك التنافس المحموم والتي اتضح بانه كان بسبب الحصول على مكاسب مالية اكثر من كونها تنافسا عقائديا او مبدئيا , الامر الذي جعل شعبنا يدفع اثمانها باهظة وفق كل المقاييس , ليس فقط من جانبه البشري والمعنوي بل ان صورة الكورد كشعب يسعى لنيل حريته واستعادة كرامته المهدورة قد تشوه الى حد بعيد وفسح المجال الرحب لمختلف الاطراف الكوردية والعراقية والاقليمية ان تتلقى دعوات سخية من هذا الطرف او الاخر للدخول في حلبة الصراع الكوردي الكوردي ممكا شكل قسم من هذه التدخلات وصمة عار في تاريخ الكورد لا يمكن ان يمحى من الذاكرة بسهولة , وان تطبع الوضع الكوردي بآثارها السلبية الى يومنا هذا (تدخل قوات صدام في احتلال اربيل ,دعوة قوات الايرانية لتصفية المعارضة الايرانية الكوردية , اعطاء دور مميز لتركيا وللجبهة التركمانية المعروفة الولاء لتكون لها موطئ قدم في كوردستان تحت يافطة( قوات كي فور) , اعطاء دور مميز لخونة الشعب الكوردي من رؤساء الحجوش المعروفين بالانظمام الى هذا الطرف او ذاك ), وحتى بعد عملية المصالحة التي اجبرت فيها القيادة الامريكية الطرفين على قبول التفاوض وانهاء الخلاف فانهما قد فشلتا والى عهد قريب الى توحيد الادارتين والحكومتين في تشكيلة واحدة ولم يتفقا مبدئيا الاّ على كيفية تقاسم الموارد المالية الضخمة التي انهالت على الاقليم باسلوب توافقي بعيد عن اية شفافية واصبحت تصب بالدرجة الاساس في مصلحة القيادات المتنفذة من الحزبين بشكل مشاريع استهلاكية استعراضية بعيدة عن روح التنمية الحقيقية التي كوردستان بامس الحاجة لها اضافة الى تقليد سمج لبعض مظاهر الثراء الذي يعم دول الخليج تحت يافطة (كوردستان دبي ثانية ) !!!
ثانيا : الفشل في تحقيق شعار كركوك قدس وقلب كودرستان قبل ان اعرج على موضوع كركوك اود ان اشير بدءا الى ان الاخفاق الكوردي في قضية كركوك قد ارتبط بمجموعة عوامل ادت مجتمعة الى فشل الجهود الكوردية بضّم كركوك الى كوردستان كما روجت لها القيادات الكوردية وطبّلت وزمّرت , وقد تفاعلت تلك العوامل منذ ايام الانتفاضة في ربيع عام 1991 والى يومنا هذا على ابعاد هذا( الحلم ) الكوردي عن ارض الواقع الى آفاق المستقبل المجهولة ,وقد تجلت تلك العوامل في النقاط الثانوية التالية : أ :ــ الفشل في التعامل مع الجانب الامريكي : لا شك ان الامريكان كانوا ولازالوا وسيبقون كذلك الى فترة منظورة من اللاعبين الاساسيين في الساحة العراقية المضطربة , فهم اضافة الى جهدهم المميز والأوحد الى حدّ كبير في اسقاط النظام فان المرحلة التالية ما بعد السقوط قد اتسمت باصرار الامريكان على ان تكون لهم الكلمة الفصل في رسم السياسة العامة للعراق ولسنين طويلة قادمة وان ما سمي باخطاء وتدخلاته المبعوث الامريكي بول برايمر الفظّة في تفاصيل الحياة السياسية للعراقيين ونوعية التحالفا ت وحتى اسلوب كتابة الدستور العراقي لم تكن ابدا صدفة بحتة ,وقد اعتقدت القيادات الكوردية خطأ ان الامريكان قد قدموا الى العراق مخلصين ومخلّصين (بتشديد اللام) ولوجه الله وان التاييد الغير المشروط لهم ولمخططاتهم سيسهل في تحقيق كل الطموحات الكوردية والاحلام الوردية وان العصا الامريكية السحرية لكفيلة بان تحل كل العقد المستعصية وتحل كل الطلاسم المستحكمة, لكن الحقيقة( المرّة) كانت على العكس من ذلك تماما , فالامريكان قد جاؤو الى العراق اصلا لتنفيذ( مخططاتهم الاقتصادية) بالدرجة الاولى , انا لا اذهب الى القول بانهم يطمحون الى( سلب) الثروة النفطية والغازية العراقية الهائلة ومعها احتياطياتها الكبيرة هكذا بدون مقابل او باسعار رمزية كما كان يفعلها سلفها البريطاني ابان الحكم الملكي ابتداءا من عشرينيات القرن الماضي ولغاية الرابع عشر من تموز عام 1958,(حيث كان سعر البرميل من النفط العراقي الخام 4 سنتات فقط !!!) ولكن وكما بدأت الخيوط الاولى للأزمة العامة للنظام الرأسمالي تتضح اكثر فاكثر يوما بعد يوم , فان التواجد الامريكي على مرمى من حجر من الآبار النفطية العراقية خاصة والخليجية عامة لامر يستدعي (التضحيات ) الامريكية الجًمة !!!!,ثم الامر الآخر التي دفع بالامريكان للحضور الى العراق وتغيير النظام هو بالتأكيد الاجندة الدائمة والثابتة للسياسة الامريكية المتعلقة بتأمين (أمن اسرائيل) واخيرا ان ما يسمى( بمكافحة الارهاب) يعتبر الدافع الثالث والاخير من الهًم الامريكي خارجيا وداخليا ,ففي كل هذه الاجندات الثلاث السالفة الذكر(والتي تعتبر الدوافع الاكثر وضوحا للوجود الامريكي في العراق لحد الآن) فاننا لا نجد موقعا للكورد ولا مجالا او التزاما تحريريا او شفويا واضحا لتحقيق احلامهم المشروعة ولا حتى في العمل على تجاوز مظلومياتهم السابقة واحقاق حقوقهم المهدورة , وقد ادركت القيادات الكوردية هذه الحقيقة مؤخرا ولكن بعد فوات الاوان حينما صرح السيد مسعود البرزاني( بان الامريكان قد خذلونا!!!) . لقد كان وقوف الكورد الى جانب الامريكان بدون اية تحفظات وبدون اية شروط الخطأ الاكبر الذي ارتكبه الكورد في هذه المرحلة, ففي الوقت الذي كانت القيادة الامريكية في موقف حرج ومنفرد حينما قررت وباشرت بالهجوم العسكري على العراق تجاوزا الاجماع الدولي , وحينما رفض الجانب التركي ابداء اية مساعدة لوجستيكية لها في تسهيل فتح الجبهة الشمالية الامر الذي خلق شرخا كبيرا بين الامريكان وحليفتهم الاستراتيجية تركيا , كان من الممكن للقيادات الكوردية ان تستغل هذا الموقف التاريخي الفريد وتسجل انتصارات باهرة فيما يخص مجمل الحقوق الكوردية وفي قضية كركوك بالذات الا ان جهل القيادة الكوردية وعد ثقتها بنفسها وبجماهير كوردستان , وخوفها الغير المبرر من التهديدات التركية الفارغة فوتت عليها هذه الفرصة التي لا يمكن ان تتكرر في المستقبل المنظور ثانية ,وحينئذ ايقن الامريكان ايضا بان القيادات الكوردية غير جادة في حل قضية كركوك باتجاه رفع مظالمها وايجاد حل واقعي لها بعيدا عن المزايدات ودغدغة عواطف البسطاء من الكورد برفع شعارين مبهمين غير واقعيين ابدا , فالاتحاد الوطني وبلسان رئيسه السيد جلال الطالباني قد رفع شعار (كركوك قدس كوردستان ) وهو بحد ذاته شعار خاطئ تحت اية تبريرات او تفسيرات ,فلا الكورد هم الفلسطينيون , ولا العراقيون هم اليهود , ومن الامور الواضحة ان اسرائيل تعتبر القدس عاصمتها الابدية وتسعى لذلك بكل ما استطاعت من قوة , وفي احسن الاحوال فانه سيكون هناك تقاسما غير متكافئا للسلطات بين العرب واسرائيل اي ستقسم القدس الى شطرين يكون لليهود فيها حصة الاسد , فاين كركوك ووضع كركوك من قضية القدس , اما الشعار الآخر الذي رفعه الديمقراطي الكوردستاني وعلى لسان رئيسه السيد مسعود البرزاني (كركوك قلب كوردستان ) فهو بدوره شعار لفظي عاطفي مبهم لا يمكن ترجمته الى مفهوم سياسي تطبيقي وواقعي. لنرجع الى موضوع الموقف من الامريكان وكيفية التعامل معهم , فان الرضوخ الغير المحدود لأرادة القيادة الامريكية واعتبار اوامر ممثليهم (من غارنر الى خليل زاد) نصوص مقدسة منزّلة لا تناقَشْ ولا تعارضْ , فقد جعلت من الكورد ادوات طيّعة بايدي المريكان من جانب ,وبالمقابل شوهت الى حد بعيد سمعة الحركة الكوردية امام انظار العراقيين بشكل خاص والعرب بشكل عام واوجدت فرصة سانحة للمعادين للكورد ان يرددوا النغمة القديمة من ان الكورد هم عملاء للامريكان والغرب واسرائيل , فالوجه الامريكي القبيح في المنطقة والعالم لا يمكن تجميله من قبل الكورد وليس من واجب الكورد ان يفعلوا ذلك وهم اصلا كانوا قد لدغوا من الجُحر الامريكي والغربي لاكثر من مرة (بدءا بحكومة مهاباد 1946 مرورا بثورة ايلول1975 والانتفاضة الربيعية1991 وانتهاءا باعتقال القائد الكوردي عبد الله اجالان وتسليمه الى السلطات التركية في ناييروبي عام 1998) . ب:ـــ الفشل في التعامل مع الاطراف العراقية :وهذه ايضا من جملة الحسابات الخاطئة التي فشل الكورد فيها في حسابها بدقة وواقعية على اساس استراتيجي بعيدا عن املاءات الواقع المتغير ,صحيح ان العرب السنة ومن خلال (حكمهم) وتسلطهم على مقدرات الدولة العراقية منذ تاسيسها عام 1921 ولغاية سقوط نظام صدام 2003 ,قد تعاملوا باسلوب غير حضاري مع الكورد , بل وبقساوة قلّ نظيره احيانا , الّا ان الحقيقة البارزة ايضا ان هناك فرقا واضحا وكبيرا بين أطروحات ومستوى النضج السياسي للعرب السنة مقارنة بالعرب الشيعة(ان جاز التعبير) على المستويين النظري والتطبيق العملي ايضا ,فلا احد يمكن ان ينكر ان الحقوق الاساسية التي تم الاعتراف بها للكورد قد تم هنا في العراق من قبل الاحزاب العلمانية العربية والعراقية (السّنية) , وبطبيعة الحال ان الحزب الشيوعي العراقي قد لعب دورا بارزا في الاقرار حتى بحق تقرير المصير للشعب الكوردي انطلاقا من مبادئه ومنطلقاته الاممية المعروفة , وحتى الاحزاب القومية مثل الحركة الاشتراكية العربية كانت لها آراء متقدمة في هذا المجال متأثرة بموقف الراحل جمال عبد الناصر الوّدية تجاه الكورد , وحتى الاحزاب العربية السلطوية الاكثر انغلاقا مثل حزب البعث العربي الاشتراكي قبل ان تنحى المنحى الديكتاتوري الفاشي, قد اقر بحق الكورد بالتمتع بالحكم الذاتي (رغم ان نظام صدام قد حاول ان يفرغ هذا المفهوم من محتواه الحقيقي) . المعروف عن الحزبين الكورديين من ناحية التطور التاريخي بغض النظر عن القيادة العشائرية او الوراثية الحالية لها , اتجاهاتها العلمانية ,واليسارية والليبرالية الى حد ّ ما (الديمقراطي الكوردستاني تبنى الاستفادة من النظرية العلمية في تحليلاته ونظرته الى الحياة منذ بداية تأسيسه , والاتحاد الوطني تأسس اصلا كحزب ماركسي تبنت الماوية في بداية تأسيسه وانظّمت الى الاشتراكية الدولية لاحقا ),وقد تجلت ذلك في سياق التحالفات بينها وبين الاحزاب العراقية التي كانت سائدة في الساحة العراقية طيلة سنين نضالها ضد الدكتاتورية , وعلى الرغم من ان نظام صدام ومن ضمن ( اسوء مساؤها) ايضا قد دأبت واستطاعت ان تصفي اغلب الاصوات المعارضة لها التي كانت فيها لليسار العراقي والحركة الاشتراكية باع تاريخي طويل الا ان اهمال القيادات الكوردية في الحفاظ على تحالفاتها القديمة وعدم ايلاء الاهمية الجدية في تشجيع ودعم ومساندة هذه التيارات العلمانية التي تؤمن بالحق الكوردي المشروع في التمتع بكافة حقوقه , اقول بان ذلك كان خطأ استراتيجيا ادى الى خسارة الكورد لاهم حلفائها الصادقين , وبالمقابل تم الانحياز والاستسلام للامر الواقع وكذلك التقارب مع الاحزاب الدينية (الشيعية والسنية ) تلك التي برزت بشكل لافت للنظر بعد سقوط النظام واكتسحت الساحة السياسية مستفيدة من حالة الجمود والتخلف والفراغ السياسي التي سادت الاوساط الجماهيرية التي عمل نظام صدام الى تعّميًتها وتجويعها وترهيبها اكثر فاكثر , ولم يكن بحسبان احد ان تطغي هذه الاحزاب الشيعية خاصة واطروحاتها المعروفة على الساحة العراقية مستغلة العمق الشيعي الاكثف وفارضة اجندتها المعروفة ومنها التقارب مع ايران, فالتحالف مع الاحزاب الدينية لا يمكن ان تثمر ابدا عن تطور الى الامام في منح الحقوق القومية للقوميات الاصغر ومسيرة النظام الايراني وخاصة تجاه القضية الكوردية في ايران لهو خير دليل على ذلك لان اجندة هذه الاحزاب ومخزونها الفكري تخلو من هكذا امور وهي شمولية تدّعي تمثيل الكل وتحكم باسم قوانين السماء التي هي فوق البشر وقوانينهم ومطاليبهم الوضعية المتجددة, وقد ادى هذا الاصطفاف وطريقة التعامل الكوردي التكتيكي مع هذه الاحزاب التي سادت بعد عملية سقوط النظام الى ان تتطبع كتابة الدستور العراقي التي من المفترض ان يكون بوصلة الحكم وصمام أمان المجتمع بطابع ديني بعيد عن روح الديمقراطية الاصيلة التي من اولى سماتها فصل الدين عن الدولة وسيادة مفاهيم حقوق الانسان والمرأة والطفل و حرية التعبير والنشر والاعلام , وقد كان بامكان الكورد الذين كانوا يتمتعون بثقل سياسي وحضور فعال وجهوزية اكثر من اية جهة اخرى, اضافة الى تجربة حقيقية في الحكم لمدة 12 سنة (من انتفاضة 1991 الى سقوط النظام 2003) ان تستغل هذه النقاط في فرض الامر الواقع السياسي على الساحة السياسية واعطاء دفعة قوية لليسار والقوى العلمانية لان تاخذ مكانها وتستعيد عافيتها على الساحة السياسية بدلا من الاحزاب الدينية التي كانت اغلبها مترددة حتى اللحظة الاخيرة في المشاركة في عملية التغيير, بسبب ما كانت تتصف به علاقاتها الصميمية مع الحكومة والنظام الايراني المعروف بعداءه التقليدي للامريكان وحضورهم ووجودهم في المنطقة. ولكنها بدلا عن ذلك انشغلت القيادات الكوردية بامور جانبية وتلهفت على الاستحواذ على مخلفات النظام من اموال وموارد وقصور وعقارات ناسية مهمتها الاساسية في بغداد الا وهي تأمين الوضع السياسي المستقبلي للكورد خاصة والعراقيين عامة , وكبح جماح الاحزاب الدينية التي كانت تحاول الخروج من قمقمها والتي استغلت فراغ السلطة وبدأت بتصفية معارضيها حتى ضمن اقرب المقربين لها (عملية اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي مثلا ) دون ان تحرك الحركات السياسية الكوردية او حتى العلمانية ساكنا والحق يقال ايضا ان الامريكان كان لهم ايضا دورا تخريبيا في خلق الفوضى السياسية لتبرير اطول وجود لهم في العراق . انتهى الجزء الثاني وسنأتي في الاجزاء اللاحقة على فصول :
ج:ــ الفشل في التعامل مع مكونات كركوك الاثنية من تركمان وعرب وكلدو أشوريين . د:ــ الفشل في التعامل مع الحكومة المركزية في بغداد (الخلافات المستحّفلة حول اسلوب ادارة المناطق المتنازعة و ملف البيشمركة والنفط والتعامل الخارجي ) . ه:ــ الفشل في الاداء السياسي والاداري في كوردستان (ملف الفساد السياسي وتدخل الحزبين في الحكومة والبرلمان الكوردستاني ).
safwatjalal@hotmail.com
|
|