قره داغ، بلدة تقع على بعد60 كم عن مدينة
السليمانية، فهى من أشهر البلدات سواء على مستوی كوردستان أم علی مستوی العراق
، لكونها منبعا من منابع العلم والعرفان، حيث أنجبت فطاحل من علماء التصوف و
الشريعة،أمثال مولانا خالد النقشبندی (1779 ـ 1828) الذي إسمه أشهر من نار على
علم، حيث بلغت اثار طريقته إلى أصقاع بعيدة من العالم الإسلامي لغاية اليوم. و
كذلك برز فيها علماء في الشريعة والفقه و الشعر و السياسة و الإدب، أمثال إبن
الخياط، الشيخ جلال،الشيخ عبدالرحمن، الشيخ نجيب، الشيخ مصطفى و الشيخ بابا
شيخ... كل هؤلاء القرداغيين أنجبهم ماضي هذه البلدة... وفى العقود الأخيرة لم
تبخل قره داغ بتقديم كوكبة من الشعراء والكتاب والسياسيين أمثال العلامة الشيخ
محمد القرداغي(الخطيب) و الپروفيسور الدكتور علي القره داغي العالم والعامل من
أجل قضية شعبه، والشاعر حسيب القره داغي والكاتب عبدالله القره د اغي و المحلل
السياسي كامران القره داغي والكاتب السياسي قيس القره داغي و المحقق الأستاذ
محمد علي القره داغي و الأستاذ المعجمي معروف القره داغي والفنان الاستاذ أنور
القره داغي، وآخرين كثر يفتخر بهم شعب كوردستان. وأخيراوليس آخرا، جاء دور
القره داغي الجديد الأستاذ مصطفى (عضو منظمة من أجل المجتمع المدني
والديمقراطية في العراق)... ولكن بلون جديد وطبع جديد ونكهة تكاد تصعب على
الكورد قبولها، لكونها تخالف طبعه و ذوقه و مزاجه في زمن أصبح إختيار الكورد
لما يروقه، يقع تحت طائلة شروط ومواصفات لا بد من توافرها حتى يتقبله ويقبل
عليه، و إلا فلن يرضى بفتات الحقوق أو أنصاف الحلول.
يطلع علينا هذا الأستاذ الكريم بين الفينة
والأخرى بمقالة عن الأوضاع الراهنة في العراق... ولكن الذي يدهشني ويجعل حلمي
حيرانا، هو كونه ينأى بجانبه عن ذكر إسم كوردستان، حتى حين يستميت في الدفاع عن
الكورد والفيدرالية...في وقت لا يبخل على القارئ بذكر إسم العراق لعشرات المرات
في مقالة واحدة، وكأن هناك من يراقبه ويمنعه من ذلك... هذا في عصر يكاد يكون
عصر كوردستان في الإنعتاق والتحرر وتقرير المصير، وتكاد التحولات تتمحور حول
قضية الكورد المزمنة، وإستمرارية الحياة السياسية وعافيتها تكاد تكون مرهونة
بمدى جدية الأطراف ذات العلاقة في إيجاد حل يرضي تماما مطالب شعب كوردستان التي
لا مناص من تحقيقها إذا أريد أن تتحقق الأخوة المبنية على منطق العدل
والمساواة،لا على منطق المثاليات التي طالما تعود على اللجوء إليها سياسيو
الشرق بفعل قاعدة " يقولون ما لا يفعلون".
إن إستغرابنا ليس نابعا لكونه
يقدس العراق، فهذا شأن يغنيه و يعنيه
و لا تثريب عليه، ونحن نحب العراق أيضا ونقدر شعبه الجار للكرد، ولكن
العجب والعتب هو في محاولته جر الكورد لزاويته العراقية تأريخا و جغرافية ، و
ذلك في فرض أزلية تبعية كوردستان للعراق، وكأن هذا قدر مقدور و مسجل في(كتاب
مرقوم) ومن الآيات البينات التي لا يحق لأحد أن يمسها بزيادة أو نقصان إلى يوم"
ترى الناس سكارى و ما هـم بسكارى" . . . هذا ما يلاحظه القارئ بجلاء في مقالته
المنشورة في الصحف والمواقع تحت عنوان (عراقية الأكراد ...عريقة عراقة الدجلة
والفرات)...و كأن معضلة الكورد هي في نكران الاخرين
له وعدم إعترافهم به ويته العراقية لا الكوردستانية... والذي يأتي مخالفا
للواقع التأريخي والجغرافي للكورد، و بالتالي للواقع النفسي الذي تولد عنهما،و
تشكلت عليهما شخصيته، خاصة بعد أن تقطعت أوصاله وفق تخطيط وبموجب إتفاقيات وقعت
بين دول و أطراف إن إختلفت فيما بينها على كل شئ، فهي لا تختلف على إضطهاده
و حرمانه، بشكل ترتعد له الفرائص و تحتار العقول و " يجعل الولدان شيبا"
.
أنا أرى أنه كان الأولى بالسيد القره داغي أن
يعنون مقالته بشكل معكوس، محاولا إثبات مدى تواجد الآخرين وأصالتهم على أرض
الكورد و حواليها المحدودة بجبل حمرين الواقع في جنوب كوردستان... فالكورد
مقيمون على أرضهم منذ أن: " قيل يا أرض إبلعي ماءك و يا سماء أقلعي، و غيض
الماء و قضي الأمر، واستوت على الجودي...." و بذلك فهم ليسوا بحاجة الى آيات
آدمية إو سندات طابو ،أو إلى شهادة شهود أو أطروحات سليم مطر، أو إستمارة تصحيح
القومية والإنتماء... أجل! كان الأجدر به دعوة
الأقلأم للبحث ـ بالتعديل و التجريح ـ لتأريخ مجئ الأقوام الأخرى. فالكورد لم
يكن في يوم ما ضيفا أو مغتصبا لأرض الآخرين و لا طامعا في ثروات الآخرين ولم
يسم شعبا بغير إسمه ولم يقطع لسانا عن التحدث بلغة ما ولم يزور تأريخ أمة و لا
جغرافيتها.
ليس من الإنصاف العلمي خلط التواريخ والجغرافيات
بالعواطف، أو غض الطرف عن الحقائق المكتوبة و التغافل عنها ـ على حساب الشعوب ـ
بذريعة إعادة اللحمة، فعودة اللحمة هي في عودة الحق المسلوب والأرض المغتصبة،
لا الإعتراف بالواقع المزري والمبني على الباطل... ليس صحيحا أن ندع وراءنا
إتفاقية سايكس ـ بيكو غير ناظرين إليها ولا آبهين، هذه اإلاتفاقية التي على
بنودها دفع الكورد ضريبة حاضرهم ومستقبلهم، والتي ينظر البعض إليها و كأنها
أبرمت في عهد سيدنا آدم وقضي الأمر الذي فيه يستفتى!!
ثم إذا كان كورد جنوب كوردستان عراقيين ، فما
بالكم بالبقية الباقية من الكورد الذين يشكلون الأغلبية حول دجلة والفرات و من
أرضهم ينبع النهران، و محرومون ـ حتى ـ من الحقوق التي تتمتع بها البهيمة و
الأنعام على أرض الله الواسعة ؟ ... هل تتركهم و
شأنهم لمخالب ذئاب في جلد بشر، لكونهم ليسوا عراقيين؟
لست معتقدا أن مصطفى القره داغي يجهل تأريخ
المنطقة، و لا يعلم وقت مجئ المسلمين الأوائل إلى ديار الكورد، ومن ثم إنسحابهم
منها تاركين الدار لأهلها... وما هو بغافل ـ أيضاـ عن تاريخ مجئ الترك إلى أرض
الأناضول عبر أراضي كوردستان و جوسهم خلال الديار... ويعلم أنه عند مجيئهم، لم
تكن الأشباح تسكن على أرض كوردستان، ولم يكن معشر الجن ـ الذين كشف عنهم
الغطاء! ـ هم الذين يقيمون فيها... إنما كان ثمة شعب بلون خاص وجلد متميز و لغة
مختلفة .
ومسكا للختام أود أن أذكر بأنني مع ملاحظاتي على
طريقة و اسلوب و ثغرات الأستاذ مصطفى القره داغي في قضية شعب كوردستان ، فإنني
أبدي إعجابي بيراعه السلس ... وأری أن إيصال الحقائق التاريخية كما هي ـ لا
خلطها ـ و بأمانة ـ إلى شعوب المنطقة، من واجبات مثل هذا القلم، وذلك قبل أن
يزل بعد ثبوته... فالأواصر الإنسانية و وحدتها لا تلغيان الإختلاف و التمايز
البشري، إذا وجد التناغم و الإنسجام بين الطرفين وفق منطق العدالة والمنطق،لا
على قاعدة ( الذين إذا إكتالوا على الناس يستوفون، و إذا كالوهم أو وزنوهم
يخسرون) أي إذا كان حقهم مغصوبا من قبل الآخرين فإنهم يطالبونه كاملا مكملا من
دون مماحكة، أما إذا تعلق الأمر بحقوق الآخرين فإنهم يبخسونه، كما هو الحال مع
مسألة كركوك فى جنوب كوردستان.