| |||||
| |||||
إعلام الأرقام و ضجة الأقلي فاضل قره داغي كردستان العراق هي من البلدان القليلة القريبة من العالم العربي ومع ذلك تطالعنا من حين لآخر أخبار عنها تجعلنا نظن أنها ابعد بلاد الله من العرب و وسائل إعلامهم. آخر تلك الأخبار يقول (نساء كردستان يتظاهرن ضد القرار 137) و الذي نشرته جريدة الشرق الأوسط في عدد يوم 22 كانون الثاني / يناير 2004 . الخبر يقول انه بناءاً على دعوة لاتحاد نساء كردستان (التابع للاتحاد الوطني الكردستانى الذي يتزعمه جلال الطالبانى) فان آلاف النساء تظاهرن في السليمانية للاحتجاج على قرار مجلس الحكم العراقي اعتماد قانون جديد الأحوال الشخصية يطبق أحكام الشريعة و يلغى القانون المدني السابق . و حسب منظمي التظاهرة فقد كان الحضور" خمسة آلاف امرأة"- انتهى الاقتباس من الخبر. وسأغض الطرف عن هدف المظاهرة للتفرغ قليلا للحديث عن الرقم و عن نوعية المشاركات في تلك التظاهرة ، فالرقم لا يمكن وصفه بالمبالغة بل هو غير صحيح على الإطلاق فالعدد لم يصل إلى خمس مائة ولي عودة مع الأرقام بعد قليل. أما المشاركات فنسبة ضئيلة منهن هن من "الناشطات" النسائيات في حين إن قسم من المشاركات لم يعرفن شيئا عن غرض المظاهرة أصلا، فقد سألت إحدى القنوات التلفزيونية المحلية في السليمانية إحداهن عما ترمي إليه من مشاركتها في المظاهرة فقالت تلك أنها تريد أن ترتاح من العمل فقد تعبت بما فيه الكفاية و ثانية أجابت أنها تطلب توضيح مصير االكرد الذين غيبهم النظام في عملياته التي سماها (عمليات الأنفال) و ثالثة قالت فيما معناه أنها أرادتها نزهة , و الأدهى من ذلك أن عددا من المشاركات امرن بالمشاركة من قبل مديري المؤسسات الحكومية التي تعملن فيها أو على الأقل هذه حالة إحدى المؤسسات حصرا فيما ذكره صديق لي يعمل في تلك المؤسسة (مع الاسف لم يراع الموقع امانة النشر واسقط هذه الجملة من المقالة). و بعد جرد للحساب لا يبقى في الجعبة غير أقلية ذلك العدد القليل و تلك الأقلية هي نفسها في كل بلد عربي و إسلامي فهي القلة الصاخبة التي يظن من يسمعها أنها هي الأغلبية ، بل إن تلك الأقلية هي نفسها في الغرب مع الفارق في الدرجة بالطبع. و لدينا في كردستان أمثلة أخرى على صخب الأقلية . فأحد الأحزاب اليسارية المتطرفة كان يصخب ليل نهار و يدعى تمثيله للشعب الكادح فإذا بحجمه الحقيقي يظهر واضحا العيان في أول تجربة على الأرض ففي الانتخابات البلدية في السليمانية و المناطق الأخرى التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني دخل "اكبر" تلك الأحزاب الماركسية المتطرفة حلبة السباق لأول مرة فإذا به يخرج بأقل من 300 صوتا فقط (ولا أتذكر الرقم الدقيق أهو 275 أم 285) أي أن الحجم الحقيقي للحزب بأعضائه و مؤيديه لم يصل في نصف مساحة كردستان العراق ،حيث يسكن في ذلك النصف ما يقرب من ثلاثة ملايين إنسان، إلى 300 صوت ، وقد كان ذلك الحزب يصور الإسلاميين في إعلامه الصاخب كأقلية و يطلب وضع حد لهم فإذا بالإسلاميين يحصلون على رئاسة مجالس بلديات ثلاثة من المدن وقد كان الأصوات التي وصلوا عليها في منطقة انتخابية صغيرة واحدة عشرات أضعاف ما حصل عليه ذلك الحزب الماركسي في نصف كردستان. ومثال آخر على إعلام الأرقام العدد الذي ما فتأ ذلك الحزب و غيره على ترديده عندما يجري الحديث عن حالات قتل و إيذاء النساء فقد كانت المنظمة النسائية التابعة له ( ويا للمفارقة؛ كان اسمها : الاتحاد المستقل للنساء!) تردد في سنة 2000 بأن 5000 امرأة في كردستان (لاحظ العدد السحري: 5000!) قد تم قتلهن بعد انتفاضة 1991. وقد قمت آنذاك بإجراء عمليات حسابية استناداً على أسماء النساء التي نشرتها إحدى المنظمات (اعتقد أنها اتحاد نساء كردستان التابع للاتحاد الوطني الكردستاني والتي هي من المنظمات التي على نفس الحان المنظمات الراديكالية وان كانت اقل منها تطرفا) وكان ملخص تلك العمليات ما يلي: من سنة 1996 ولغاية سنة1999 كان عدد من قتلن أو انتحرن أو قيد موتهن على انه يعود لسبب مجهول (199) امرأة و عندما نأخذ النسبة لنحسب العدد للسنين العشر من سنة الانتفاضة(1991) والى سنة 2000 نجد أن العدد هو اقل من 550 امرأة! أين هذا من الرقم الفلكي 5000؟ غير أن الأمر أسوأ فبحسب الإحصائية كان عدد من قتلن (73) فقط فيكون العدد الفعلي (200). وبعد هذا لا تجد إحدى أعضاء ذلك الحزب الراديكالي حرجا في إرسال مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تتحدث فيها عن إحصاءات صحيفتها النسائية حول قتل 5000 امرأة في كردستان ولا ترفق المذكرة بأية بيانات بل بدلا من ذلك ترسل له أعداد من الجريدة و عدد من كتيباتهم. إن موضوعنا يستحق المزيد من التفصيل فضجيج الأقلية النشطة والمبالغة في الأرقام زيادة ونقصانا من الأدوات القديمة في "صناعة الحقائق" التي يرقى بعضها إلى ما يشبه الأساطير فقد سبق للملوك أن وظفوهما في سجلاتهم ثم كانت الجمهوريات الثورية الوارث الأمين للتركة وتخطت اعتى الملوك في استخدامهما. ولما كان إجراء دراسة عن هذا الموضوع ليس من أغراض مقالتي بل كان الهدف إظهار أن النسوة القلائل التي ضخم ذلك الخبر حجمهن لسن ممثلات لنساء كردستان هذه فسأقف عند هذا الحد تاركاً الموضوع لمن يريد أن يستزيد. نشرت المقالة في موقع (مجلة العصر www.alasr.ws ) 10/03/2004 zagros.org/arabic/a-fadhil/act137.htm 31-05-2016 www.zagros.org/arabic-articles-2016-05-31-203459 12561 مشاهدة |