| |||||
| |||||
النظام السياسي الاسلامي بين الواقع المؤسس والفكر المُنظّر-دراسة مختصرة فاضل قره داغي مقدمة نهدف في هذه الدراسة المختصرة الى ايجاد العلاقة بين الواقع الموضوعي في المجتمع، اي الواقع الاجتماعي والاقتصادي، وبين النظام السياسي، كما نهدف الى ايجاد العلاقة بين النظام السياسي وبين النظرية السياسية. وقد قسمنا الدراسة الى مبحثين، الاول يدرس الواقع والنظام السياسي والنظرية السياسية، اما المبحث الثاني فيدرس المؤسسات والاليات في المجتمع وفي النظام السياسي. ورغم اننا نقسم المؤسسات والاليات الى تلك المختصة بالحكم و تلك التي تكبح الحاكم الا اننا ركزنا على الثانية لاهميتها في مجال الحقوق السياسية للامة وفي مجال الحريات، ولذلك ذكرنا المعارضة والثورة المسلحة والعلماء والمذاهب والية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما تتطرق الدراسة الى ما نسميه النص المؤسس في النظام السياسي والنظرية السياسية ونقصد به ما جاء من ايات واحاديث حول الحكم وبهذا النص المؤسس تختلف النظرية السياسية الاسلامية عن النظريات السياسية الاخرى ومنها الغربية. وقد طرحنا في الدراسة وباختصار مقتربا لاصلاح الفكر السياسي الاسلامي على ان تبقى المحاولة مفتوحة لاضافة مقتربات اخرى. المبحث الاول علاقات الواقع والنظام والنظرية والعلاقة بين تلك المكونات ليست خطية بل هي علاقة متبادلة فكما يساهم الواقع الموضوعي في تشكيل النظام قد يعود ذلك النظام ويؤثر على الواقع وكما تتشكل النظرية السياسية بموجب معطيات النظام السياسي فقد تؤثر النظرية على النظام. ويعتمد التأثير المعكوس للنظام على درجة الوعي والامكانات المادية له كما يعتمد التأثير المعكوس للنظرية على درجة الوعي للمنظّر وعلى مدى قابلية الطروحات للتحقق.[2] ويختلف النظام السياسي الاسلامي والنظرية السياسية الاسلامية عن كثير من الانظمة والنظريات اختلاف الدين المنزل عن الاديان الارضية، فالاسلام يمتلك نصا موحى به، او نصا مؤسِّسا اوليا أسس لمفردات لم يكن من السهل نشوءها اعتمادا على الواقع الموضوعي، فواقع العرب، وكما سنعيد ذكر ذلك لاحقا، لم يكن بمقدوره انتاج مفاهيم مثل الامة والخلافة وبدرجة اقل الشورى في الحكم. اما الحديث النبوي فحوى تفاصيل كثيرة تخص الحكم وكان النص الثاني المؤسس. والنص المؤسس الذي بنى أمة تعيش وتفكر وتعمل بشكل مختلف الى حد كبير عما كانت تفعله من قبل لا يعجز عن انشاء أسس لنظام سياسي ونظرية سياسية. النظام السياسي والواقع ينبع النظام السياسي في بلد او في عصر من الواقع الموضوعي لذلك البلد وذلك العصر. فالبداية هي تأثير ذلك الواقع على النظام السياسي. وكمثال على ذلك يفرز المجتمع الريفي نمط سلطة يختلف عن ذاك الذي يفرزه مجتمع مديني. فالواقع هو الاساس الذي يبدأ منه النظام. ونقصد بالواقع هو مجمل جوانب المجتمع من بناء اقتصادي واجتماعي اضافة الى المستوى العلمي والتكنلوجي وامكانيات القوى المجتمعية من الناحية العسكرية، ويشمل ذلك ايضا الدين والفكر في جانبيهما غير السياسي، وان كان دورهما غير حاسم.[3] بين النظرية والنظام هل النظام السياسي نتاج للفكر البشري ام ان الفكر يتشكل بموجب النظام الموجود؟ هذا السؤال هو مثال لقضية في الفكر الغربي تتعلق بالرابط بين الموضوع والذات، او في مستوى ادنى بين الواقع والفكر. كان الاتجاهان الشائعان بهذا الخصوص في الفكر الغربي اتجاهين متعارضين: الاول يعطي اولوية للفكر او بشكل اعم لدور الانسان (أو الفرد) ويجعله حاسما في توجيه الاحداث ومجرى التاريخ (نظرية توماس كارلايل حول البطل كمثال[4])، والاخر يعطي تلك الاولوية للواقع ويعتبر الفكر والجهد البشريين تابعين لذلك الواقع (مثلا النظرية الماركسية في تحكم الواقع الاجتماعي-الاقتصادي في الفكر والجهد البشريين[5] ونظرية ايميل دوركهايم في تحكم المجتمع[6]). وقد ادرك مفكرو الغرب ان اغراء الطرحين الناجم عن تقريريتهما ووثوقيتهما قد اخفى السطحية المفرطة التي يحويانها ولذلك ابتكروا اتجاهات وسط بينهما[7] او، ان اردنا العموم، اتجاهات لا تخضع، شكلا او مضمونا، لاي منهما.[8] وعودة للسؤال السابق: هل ان النظام السياسي في مكان و زمان معينين قد تم انتاجه بموجب خطة بشرية وإعْمال للفكر فتكون النظرية السياسية بذلك سابقة على النظام السياسي وخالقة له ام ان النظرية السياسية في ذلك المكان والزمان هي نتاج للنظام السياسي الموجود على الارض؟ هنا ايضا اغراء مصدره الوثوقية التي يوحي بها الاختياران، اما الاقرب الى الحقيقة فهو تداخل كل من النظرية والنظام، او الفكر والواقع، وتأثير كل منهما على الاخر. والحالة الاكثر توقعا هي انه وبعد ان يؤثر الواقع في نشوء النظام السياسي تأتي النظرية السياسية لتفسر ذلك النظام او تبرره او تعدله او تحاول تغييره. اما حالة انشاء النظرية لنظام سياسي فهي نادرة لان النظام يتماشى مع الواقع اما النظرية فقد تتعامل مع الواقع او تنفصل عنه. وما يذكر عن ايجاد المشرع الاثيني سولون (حوالي 630 ق.م- حوالي 560 ق.م) لدستور اثينا ونظامها الديمقراطي يبدو أشبه بمبالغة في دوره كفرد. وما انجزه كان احداث التوافق، الاقتصادي والسياسي، بين الطبقات المتناحرة، وقد ادى الواقع المتمثل بالصراع الداخلي الى النظام الذي امل سولون ان يتجنبه الا وهو نظام الطغيان،[9] وقد وضح دور الواقع عندما انهار النظام الذي اسسه وكان ما يزال على قيد الحياة، وان عاد النظام بعد ذلك وحكم اثينا مجددا. وقد كان دستور ليكورغوس الاسبارطي، الشخصية التي تبدو اسطورية، قبل ذلك بقرن او اكثر، حسب روايات متاخرة، اكثر حظا وقد قيض للقوانين التي وضعها لدولة المدينة تلك البقاء دون فساد اكثر من ثمانمئة عام،[10] وهو، ان صحت الروايات بشأن واضعه، مثال جيد لتوافق الواقع مع النظرية فالقوانين التي وضعها ليكورغوس كانت في توافق مع المجتمع، فالروح العسكرية وعسكرة المجتمع كانتا حلا لحفاظ سبارطة على المنطقة التي كانت تشغلها وعلى عبيدها الذين كانوا يتمهنون الزراعة بدلا من مواطنيها الذين لم تكن لهم مهنة يمتهنونها سوى الحياة العسكرية.[11] وفي العصر الحديث افرز التقدم التكنولوجي طبقة برجوازية ملكت المال وأدى ذلك التقدم الى نمو المدن وتقلص الارياف مما ادى الى تقلص سلطة الاقطاع ولذلك طالبت الرأسمالية النامية بحصتها في الحكم فكانت الديمقراطية الحديثة التي واصلت مسيرتها، بعد ذلك، بحصول الشعب على حصته المتمثلة في حق التصويت والترشح. وقد حصل الشعب على ذلك بسبب مشاركته في عملية الانتاج الرأسمالي المختلف عن الانتاج الزراعي الاقطاعي فهو لم يعد قنا (عبد ارض) بل اصبح نظريا حرا في اختيار مكان السكن وفي اختيار مكان العمل وان كانت حريته في الاختيار الاخير نظرية بسبب اضطراره للعمل ووجود المنافسة بين العمال. وكان السبب الاخر في حصول الشعب على حق التصويت هو التجنيد الاجباري فقد كان النشاط الحربي ضريبة يدفعها الفرد وكان له الحق في الحصول على حق مقابل ذلك كما قيل بان بندقية واحدة تعني صوتا واحدا. وقد افرز الواقع الجديد نظريات متعددة كان كثير منها متعارضة: راسمالية، راسمالية ليبرالية، اشتراكية، شيوعية، فوضوية.. اضافة الى النظرية الفاشية في القرن العشرين وهي التي طعّمت النظرية السياسية المتمثلة بتمجيد الدولة او العرق بنظرية اشتراكية في المجال الاقتصادي. ولكن كما كانت تلك النظريات نتاج للواقع فقد اسمهت هي ايضا في تغيير الواقع او تعديله فهي اما ازالت النظام القديم كما فعلت الثورة البلشفية في روسيا التي كانت الرأسمالية فيها متخلفة او عدلت الرأسمالية فادخلت العنصر الاشتراكي او ما يقرب منه في الحكم كما في الدول الاسكندنافية. الجبرية والقدرية في الفكر السياسي الغربي هذا التجاذب بين النظرية والواقع اثر في النظرية من ناحية دور الانسان على الواقع فنتجت اتجاهات نظرية متعددة تم رصد اتجاهين عامين تندرج كلها تحتهما: الاتجاه الاول يركز على دور الفرد في مسيرة التاريخ ومن ذلك النظام السياسي والثاني يجعل الظروف الموضوعية حاسمة في ذلك. ونرى في هذين الاتجاهين ظلال النظريتين الفلسفيتين: الجبرية والقدرية. القى التقدم العلمي بظلاله على الفكر، فقد اصبح الانسان اكثر معرفة وظن انه قد اقترب من كل الحقائق بل وتمرد على الخالق وظن انه مساو له وكان هناك من نفى الحاجة اليه. واعطى اكتشاف قوانين الكون، او الوهم الذي نشا عند الانسان بانه قد اقترب من اكتشافها كلها، المبرر للاستغناء عن الخالق فاولا كانت فكرة ان الله خلق العالم واعطاه الدفعة الاولى[12] ثم تركه يسير وفق قوانين الطبيعة التي وضعها الله له، ثم كان الاغراء الاكبر في الاستغناء عن كل من الله والدفعة الاولى. وافرزت الابحاث العلمية فكرة مغرية تطرح سؤالا منطقيا: لما كان الكون المادي يسير وفق قوانين صارمة فلماذا لايكون الانسان والمجتمع والتاريخ كذلك؟ فنشات تبعا لذلك نظريات في المجتمع والتاريخ والسياسة. ولم يستمر ذلك التفاؤل فالتقدم العلمي الذي لم يكن له سابقة والذي وهب للانسان قوة كبيرة وحمله على الظن بانه قادر على تسيير الكون ولد ردة فعل عكسية إذ تبين للانسان، وان كان قد لاحظ ذلك سابقا، ان قوانين الكون تسير على الرغم من ارادته لذلك كانت هناك نظرة جبرية وقد تطورت الى افكار متضاربة منها تفاؤلية (حتمية انتصار الاشتراكية عند ماركس مثلا) وتشاؤمية (عبث الجهد الانساني) وقد تلطف البعض وسمى تلك الجبرية حتمية. وبالطبع كان مايزال هناك من يؤمن بدور الانسان والفرد وبرزت بينها النظرية الابرز وهي نظرية البطل في التاريخ. صراع الجبرية والقدرية كان في نفس التوجه الواحد فالاشتراكية كانت فيها جبرية ماركس وكانت فيها الافكار الاشتراكية التي تؤكد على الفعل الانساني مثل تعاونية اوين وشيوعية كابيه الدينية وشيوعية بلانكي الالحادية والتيارات الفوضوية. الماركسية نفسها اضطرت لخيانة مبادئها ففيما ابقت على الحتمية غلّبت العمل الانساني في الجانب العملي ويظهر ذلك في الفكرة اللينينية حول دور حزب الطليعة،[13] ثم محاولات الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية لنشر الشيوعية عبر العمل السياسي والعسكري. وبالمقابل للافكار المجتمعية كانت هناك نظرات فردية مثل الليبرالية التي نادت بالحرية الاقتصادية للافراد وقصرت دور الدولة على امور محددة.[14] وكان للاعتدال انصاره الا ان بريقه كان اقل من التطرف فالديمقراطية، كفكر معتدل مقارنة بالافكار الثورية، امنت بضرورة وجود حكومات تعتمد على الشرعية التي يعطيها المجتمع عبر الانتخابات وامنت ايضا بدور الانسان في النضال من اجل تحقيق الديمقراطية ولذا كان من المنتظر ان يهاجمها اصحاب الفكر الثوري وكذلك الممجدون للعرق (النازية) والدولة (الفاشية). والاشتراكية الديمقراطية الاوروبية كانت وسطا بين تحقيق دولة العدالة الاجتماعية وبين النظام السياسي الديمقراطي غير ان الماركسيين اعتبروها تحريفا للاشتراكية. فالغلبة انذاك كانت للنظرة الواحدية التي انبثقت من رغبة الانسان في ايجاد تفسير للكون والحياة والمجتمع فالتفسير ذو الاسباب المتعددة لم يكن مثيرا للنفس والعقل البشريين. التطرف اعلن عن فشله وكانت الغلبة للوسطية ممثلة في الديمقراطية والاشتراكية الديمقراطية رغم الكوابح العديدة من قبل الراسمالية وتضخم دور الدولة. وكما هي الحال مع المجتمعات المتفاوتة في الثقافة وقانون تأثر الاقل تمدنا بالاكثر تمدنا وتقدما فقد اثر الفكر الغربي في المجتمعات المسلمة فمثلا وصلت الماركسية الى الشرق الاسلامي لكن وكما حصل مع الماركسية في الغرب وفي العالم الثالث تم تبنيها بعد تعديلها بالنضال الانساني (نضال النخبة او العمل الجماهيري) فكانت مزيجا من جبرية ماركس التي تنص على حتمية انتصار الاشتراكية وقدرية الواقع الذي أبى الا ان يضطر النظرية للاعتراف بدور العمل في تحقق تلك الحتمية، وحوّل تحقق الحتمية التي ذكرتها النظرية الى ((تحقيق الحتمية))، والفرق واضح بين التحقق والتحقيق. نشأت الجبرية والقدرية في الغرب، برأينا، كنتيجة للتفاعل مع الواقع وتبعا لطريقة الاستجابة لذلك الواقع وقد حصل في الغرب ما حصل للنظرية السياسية الاسلامية فيما يخص نشوء الجبرية والقدرية وهو ما سنذكره في فصل تال. ان فهم مسار الجبرية والقدرية في الفكر السياسي الغربي ومقارنة ذلك بنفس المسار في الحضارة الاسلامية يبين لنا حقيقة مهمة وهي ان كل من التطبيقين الفلسفي والسياسي للجبرية والقدرية أمر يكاد يكون كونيا حتى وان اختلف سياق نشوءهما في الحضارات المختلفة، وربما كان التاريخ الاسلامي متفردا عن التاريخ الغربي بكون نتائج الجبرية والقدرية، وبالاخص الجبرية، كارثية على المجتمع المسلم ونظامه السياسي. النظرية والنظام الاسلاميان ونحاول هنا ان نشخص بعض المفاهيم الخاصة بالنظرية السياسية الاسلامية وكذلك صلة تلك النظرية بالواقع. النص المؤسس نستخدم مصطلح النص المؤسس لوصف النص الاسلامي ودوره في النظرية والنظام الاسلاميين. وباعتبار ان النص الاسلامي في اغلبه هو وحي الهي[15] فانه يصلح ان يكون مثالا على دور النص في تشكيل النظام السياسي. وقد أثر النص الاسلامي في ما هو اهم من النظام الا وهو الواقع الاسلامي، فرغم اقرار الاسلام لامور كثيرة كانت من الاعراف الاجتماعية الا ان المساحة التي عمل فيها الاسلام اما لاستحداثها او لتغييرها تبقى كثيرة للغاية وهذا امر لا يحتاج الى برهان. وقد استحدث الاسلام امورا لم يعرفها العرب اي لم تكن من واقع حياتهم مثل مفهوم الامة ونظام الخلافة والجهاد والزكاة وقوانين التعامل مع الاديان الاخرى ومع القوى السياسية الاخرى... ونرى انه يتوجب التطرق باختصار شديد الى واقع العرب لتمييز ما كان دورا للنص في انشاء النظام والنظرية وما كان دورا للواقع في ذلك. واقع العرب عدا عن المراكز المدينية الثلاث؛ مكة والطائف ويثرب فقد غلبت البداوة على العرب فيما وجدت مراكز مدينية على اطراف جزيرة العرب لكنها لم تسهم كثيرا في تشكل النظام الاسلامي. كان الواقع الجغرافي والمناخي لجزيرة العرب حاسما في نمط الحياة فيها، فالصحراء فرضت البداوة على قسم كبير من العرب، فيما سهلت الاراضي الزراعية ووجود مصادر المياه ليثرب والطائف نشوء الحياة المدينية، اما مكة ورغم افتقارها للزراعة فقد اعتمدت على التجارة التي هي نشاط مديني بالدرجة الاولى. وقد انقسم العرب الى قبائل وشكلت القبيلة الوحدة الاكبر في التنظيم الاجتماعي. ورغم التفاضل بين القبائل الا ان التفاخر القبلي منع من اعتراف اي من تلك القبائل بفضل قبيلة عليها بما فيها قريش التي كانت تسود مكة حيث البيت ومركز الحج في شبه جزيرة العرب. صلة النظام السياسي بالواقع العربي كان من الممكن انشاء اتحاد قبائلي للعرب لو كانت مجتمعة في موضع واحد ومن ثم انشاء كيان سياسي يعتمد على حصص القبائل في الحكم، لكن تباعد القبائل وعدم وجود مركز سكاني يجمعها والظروف الاقتصادية التي اجبرت عددا منها على ممارسة الغزو والنهب لم يهيئ كل ذلك الارضية الصالحة لنظام كهذا. وفي بيئة لم تساعد على حد ادنى من التنظيم السياسي الشامل للعرب لم يكن متوقعا على الاطلاق، كما حدث بعد ظفر الاسلام، نشوء تنظيم سياسي على درجة عالية من الرقي بمقاييس عصره، وعلى درجة عالية من الرقي ايضا بمقاييسنا الحالية اذا اعتبرنا المبادئ العامة لذلك النظام. فلم يكن متوقعا، الا عند القليل من ذوي النظر، توحيد العرب في كيان سياسي واحد، ولم يكن متوقعا بالمرة ان يكون ذلك الكيان السياسي مركزا لدولة مترامية الاطراف، وكانت افكار مثل الامة والخلافة ومبادئ القانون الدولي اكثر بعدا عن المخيلة العربية. كان كل ما يتوقعه بعض العرب من مستقبل الاسلام ان يكون لنبيه مُلْكا على العرب، كما جاءت الروايات عن رجل من بني عامر بن صعصعة انه اشترط لنصرة النبي ان يكون لهم الملك بعده وقوله لقومه انه سيأكل بذلك النبي العرب هذا ان صحت تلك الرواية.[16] ومن هذا نخلص الى ان الاسلام لعب دور نص مؤسس للنظام السياسي، لكن لم تكن كل مفردات النظام مستوحاة من النص بل لعب الواقع كذلك دورا في تشكيل ذلك النظام. اول تاثيرات الواقع على النظام السياسي الاسلامي كان في مجال مؤسسات الحكم. فالاسلام طرح الشورى كمبدأ اسلامي في الحكم يميزه عن باقي الانظمة لكن لم توجد مؤسسات للشورى كما وجدت في مجتمعات اخرى وكما هو الحال في زمننا. كان اهل الشورى في صدر الاسلام جميع المهاجرين والانصار، وان بدرجات متفاوتة، وكان مبدأ الشورى مطبقا لكنه لم يكن في اطار مؤسسة سواء كانت منتخبة او معينة ولم يكن الواقع انذاك يستوجب وجودها. وفيما يخص التنظيم القبائلي كواقع فقد ظهر ذلك اثناء الحكم الاموي حيث تم التنظير لحكم قبيلة قريش[17] وفي داخل تلك القبيلة كانت هناك الحلقة الاصغر وهي العائلة الاموية، واخص من ذلك كان البيت المرواني، وذلك بعد تنازل معاوية الثاني عن الحكم. وقد استغل الامويون القبائل في الحكم وذلك باستغلال الصراع بين اليمانية والقيسية. وقد سار العباسيون على ذلك النهج من شرعية ووجوب استئثار قريش بالخلافة غير انهم استبدلوا اهل البيت، واخص من ذلك البيت العباسي، بالعائلة الاموية، لكن وبسبب تطور المدينة الاسلامية وتطور الحياة المدينية وبسبب الاستعانة بغير العرب وترسخ مفاهيم الامة والخلافة، وان شابها التحريف، لم تعد القبيلة تلعب دورا في الحكم الاسلامي بل ظهر الصراع بين فرعين من اهل بيت النبوة، اما ما حصل من ثورات خارجية على الحكم العباسي وانحصر في قبائل معينة فقد كان في سياق اسلامي ويتحرك بموجب نظرية اسلامية خاصة بالخوارج. وعلى هذا فقد تطور النظام السياسي في الاسلام بسبب تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية وظهر ذلك في الدولتين الاموية والعباسية، وقد كان النظام السياسي في الاسلام شبيها بالنظام الروماني حيث كان في بدايته جمهوريا بسبب تكافؤ القبائل في روما وبسبب الندية بين الشخصيات ثم تحول الى النظام الامبراطوري بسبب توسع الدولة وبسبب ابتعاد المواطنين الرومان عن الشأن العام. ففي ظل الدولة العباسية قبل معظم المسلمين ما رفضه جمع من الصحابة من تحويل دولة الخلافة الشوروية الى ملك كسروي، بل وقام كثير من الفقهاء في العصر العباسي بالتنظير لذلك الواقع السياسي. اما في ايام الدولة الاموية فقد كانت تلك الافكار حية ولذلك لجأ الامويون الى القمع لتثبيت ركيزة سلطانهم المتمثلة في الحكم الوراثي. ومن الادلة على بقاء فكرة الشورى وفكرة نظام الحكم الامثل المتمثل في سنة ابي بكر وعمر (وهو مصطلح استخدم بكثرة في العصر الاموي) هو ما قام به الخليفة الاموي عمر بن عبدالعزيز من احياء تلك السنة ثم التفكير في اعادة الحكم شورى، وقد كانت وفاته سنة 101 للهجرة اي حوالي قبل انهيار الدولة الاموية بثلاثين سنة، مما يعني بقاء افكار النظام الاسلامي النموذجي في اغلب ادوار العصر الاموي، ان لم يكن الى منتهى ذلك العصر. الحياة المدينية وتطور الفكر السياسي افرزت الحياة المدينية اتجاهات في الفكر السياسي الاسلامي ترافقت مع تطور تلك الحياة. وقد كان الاتجاه الاقوى هو القبول بالواقع والسمع والطاعة للامراء واعتبار ذلك ضمانة للاستقرار ودرء الفتن ويتوافق هذا الاتجاه مع العقيدة الجبرية وفي احسن الاحوال مع عقيدة وصفت بانها عقيدة السلف لكنها تؤول في النهاية الى جبرية. اما الاتجاه الثاني فكان تجويز او ايجاب الخروج على الحكام الجائرين وقد وجد في المدن لكنه كان في الاطراف اقوى ويتوافق هذا الاتجاه مع العقيدة القدرية ويرتكز على (الحكم كما يجب ان يكون)، ويشاركه في ذلك اتجاه اخذ منحى فلسفيا وهو انشاء مجتمع مثالي سمي بالمدينة الفاضلة كانت احد الهاماته اليوتوبيا الافلاطونية التي طرحها افلاطون في كتابه (الجمهورية)، غير ان هذا الاتجاه بقى نخبويا ومعزولا عن التيار العام. الجبرية والقدرية في الفكر السياسي الاسلامي وفي مناخ كذلك الذي حكم الامة كان من الطبيعي نشوء الجبرية والقدرية كمذهبين متعارضين ليس فقط في العقيدة بل وايضا في السياسة. بل ان نشاة الجبرية والقدرية برأينا كانت سياسية بالدرجة الاولى فقد شكلتا اجابتين مختلفتين لاحوال الامة والفتن التي عصفت بها وجور الحكام. وكان السؤال الذي برز في تلك الظروف هو هل ان ما يحدث لنا من فساد حكم وسفك دماء وفتن وظلم قدر مقدور لا يد لنا فيه ولاقدرة لنا على منعه (الجبرية) او ان كل ذلك من فعل الانسان وباستطاعته تغييره وازالته (القدرية).[18] وكان من الطبيعي ان يشجع الامويون العقيدة الجبرية وان تجنح النظريات الخارجية والاعتزال نحو القدرية. اما النظريات التي دعيت فيما بعد بمذهب السلف فقد مالت الى الجمع بين الجبرية والقدرية في تركيبة تبدو مصطنعة كان لا بد ان تؤول الى جبرية مقنّعة. ان النظرية السلفية في القدر هي نفسها النظرية السلفية في السياسة باعتبار ايلاء دور كبير للفعل الانساني في العملية السياسية من جانبي الاصلاح والافساد لكنها تؤول الى جبرية سياسية بسبب الاستناد الى نصوص توحي صراحة او بغموض بالجبرية. وكما ذكرنا من قبل ادت الجبرية والقدرية في التاريخ الاسلامي الى نتائج كارثية، وبالاخص الجبرية التي نظرت لقبول الامر الواقع بكونه قدرا مقدورا ولذلك بدا اي تفكير في اصلاح النظام السياسي، في نظر الجبرية، عبثا ولا طائل من ورائه. ولم يقتصر الدور السلبي للجبرية على جمود الفكر السياسي بل انه وباستخدامه للقدر لتبرير الامر الواقع دفع بالفكر الاخر المعارض للشطط وخاصة فيما يتعلق بمحاولات التغيير بالقوة العسكرية. وبالطبع لم تكن الجبرية الصريحة وحدها السبب في ان تصل حالة الفكر السياسي والنظام السياسي الى ذلك التدهور بل شاركها في ذلك المذهب المسمى بمذهب اهل السلف والذي قلنا عنه انه جبرية مقنعة، مع ملاحظة ان وصفه بمذهب اهل السلف يخالف الحقيقة باعتبار انه قد قال بالقدر ناس من السلف وحتى بعض اهل الحديث. النظرية الاسلامية بين النص المؤسس والفكر المنظّر عادة ما يكون الفكر المنظر تابعا للواقع وهذا طبيعي ومنطقي بما ان الفكر يعمل في بيئة ويأخذ منها ويحاول الاجابة على الاسئلة المطروحة في اطار ذلك الزمان والمكان. وليس الفكر الاسلامي السياسي بدعا من ذلك لكنه يختص بخاصية فريدة وهي ان الفكر المنظر يأخذ من مصدر اخر غير الواقع وهو مصدر نظري وان ارتبط بالواقع. وذلك المصدر هو النص الذي يعني القران والحديث. فعلى الرغم من ان النص جاء للاجابة على اسئلة مطروحة وأنه تعامل مع الواقع لكنه ايضا تطرق الى اسئلة غير مطروحة واسس لواقع غير موجود. وكمثال على ذلك فان مسألة الشورى في الحكم لم تطرح في العهد المكي بما انه لم يشهد ذلك العهد اي عمل سياسي او اية اجراءات ادارية بل كان عهد دعوة وصبر على الاضطهاد، ومع ذلك فقد طرحها القران المكي كاحدى خصائص المؤمنين: ((والذين اسْتجابوا لربِّهم وأَقاموا الصلاةَ وأَمرُهمْ شورى بينهم .. الشورى: 38)). أما الاجابات على الاسئلة المطروحة او الحلول لمشاكل طارئة فأمثلتها اكثر ويحفل بها القرآن المدني وكمثال على ذلك التعامل مع المسلمين ممن لم يهاجر في حالة قتالهم للكفار من اهل الميثاق ومن غيرهم: ((...والذين آمنوا ولم يُهاجروا ما لكم من وَلايَتِهِم من شيْءٍ حتى يُهاجروا وإِنِ اسْتَنصروكُمْ في الدينِ فعلَيكمُ النصْرُ إِلاَّ على قومٍ بينكمْ وبينهم ميثاقٌ– الانفال: 72)). وفي مسألة السمع والطاعة لم يكن من السهل على المسلمين التوصل الى حقيقة تقييد السمع والطاعة بالمعروف وانتفاؤها بما كان معصية لكن النص صرح بذلك وأسس له منذ العهد المكي من خلال الايات التي توجب التعامل الحسن مع الوالدين الا ان يأمرا بشرك. ثم توسع ذلك الى المجال السياسي من خلال الاحاديث التي نصت بصراحة على السمع والطاعة الا ان يؤمر المسلم بمعصية فلا سمع ولاطاعة (متفق عليه) .[19] وبرهنت احدى الحوادث على عدم تيقن المسلمين من تقييد الطاعة بالمعروف فكانت حادثة السرية التي ارسلها النبي وقد امر الامير جنوده بجمع الحطب وايقاد النار ففعلوا كل ذلك و لما امرهم بدخولها هم بعضهم بذلك وامتنع الاخرون وقالوا انهم انما تبعوا النبي هربا من النار، اي نار الاخرة، ثم لم يكونوا واثقين من اجتهادهم ذلك فبلغ ذلك النبي (وفي رواية فذكروا ذلك للنبي) فقال لو دخلوها ما خرجوا منها، انما الطاعة في المعروف (متفق عليه)[20]. في الامثلة السابقة لدينا حالتان: الاولى التأسيس النصي لحالات لم تدع في وقت النزول او التبليغ حاجة اليها والثانية تاسيس نصي لحالات وردت الحاجة لها. وفي كلتي الحالتين هناك نص يتعامل مع الواقع لكنه ليس نتاجا له الا بصورة شكلية. ولزيادة التوضيح نقول بان التنظير في الفكر البشري هو في الغالب الاعم نتاج للواقع، اي ان الواقع ينشئ امورا ثم ياتي التنظير للتعامل معها، فمثلا استدعى طغيان الكنيسة على العقيدة والضمير التنظير للحرية الدينية. اما النص الاسلامي من قران وحديث فالواقع الموجود قد تم التعامل معه دون ان يكون بالضروة منتجا للنص، وفيما يخص المقابل الاسلامي لقضية حرية العقيدة عند الكنيسة فان تواجد اديان داخل المجتمع الاسلامي كان واقعا استدعى صدور تشريع يتعامل معه، ونص التشريع على حرية الاديان. فهنا لم يكن الواقع منتجا للتشريع، ومن ثم يختلف النص الاسلامي من قران وسنة عن الفكر البشري، والدليل على ذلك انه كان من الممكن ان يصدر تشريع باكراه غير المسلمين على الاسلام فكان الواقع واحدا والتشريع يحتمل الاوامر المختلفة فدل على ان التشريع في تلك الحالة كان استجابة للواقع وليس نتاجا له. وعند فهم هذه النقطة يتضح لنا الاشكال الكبير الذي ينتج عن التغافل عن طبيعة النص ورفع الاجتهاد البشري الى مستواه، فما ينبغي ان نعلمه هو ان الاجتهاد هو الفكر ليس الا. ونزداد يقينا بكون الاجتهاد فكر بشري عندما نتذكر بان القدسية لا يمكن باي حال ان تضفى على الاجتهادات، ولو كان الاجتهاد مقدسا لساوى القران والسنة فمن المعلوم ان الاجتهاد يكون في غياب النص. والمشكلة في المجال السياسي هي نفسها اي رفع الاجتهاد الذي هو فكر منظّر الى مرتبة نص مؤسس، ويلاحظ ذلك عندما تطرح قضية ويتم الاستشهاد باقوال العلماء المؤيدة لوجهة النظر التي يتم الدفاع عنها او الدعوة اليها. وحيز كبير من الفكر المنظر يعتمد على النص الاسلامي غير ان ذلك الفكر يقع في اخطاء منها: 1-فهم النص ويشمل تفسيره بما يوافق الرأي المسبق او تحميله ما لا يحتمل أو الاخذ بتفسير له وترك التفاسير الاخرى. 2-الانتقائية في الاخذ بالنصوص ويشمل عدم الالتفات الى ما يخالف النص او يخصص عمومه او يقيد مطلقه. 3-عدم الالتفات الى امر هام وهو استعمال احاديث دون الصحيح في امور خطيرة تتعلق بالدماء والاموال والاعراض، وقد يتم الاعتماد على احاديث حسنة لغيرها في امور كتلك. اما في حالة الاستقاء من الواقع لغرض التنظير فالفكر يكاد يجعل الواقع في مصاف النص، ثم وبعد الاعتماد الكبير للمنظر على الواقع يخرج ذلك الواقع من محدوديته ليصبح حكما فقهيا اوسع حدودا.[21] وقد نحت مباحث النظرية السياسية في الغالب وجهة فقهية فدخلت في باب ما يجوز وما لا يجوز، بل والحقوا بعض الاحكام الخاصة بالسياسة الشرعية باحكام الزواج والطلاق.[22] وقد اختلفت الاجتهادات الفقهية باختلاف المذاهب، لكن وكما يتوقع من شغف الفقهاء بالتفريعات الفقهية فقد اغرقت تلك المباحث بالتفريعات بل وانكى من ذلك انها جنحت للتنظير الخيالي وهذه امثلة على ذلك الفقه: فقد ذكر الماوردي انه اذا لم يخرج بالامامة احد فعلى احد الفريقين ان يخرج: الاول اهل الاختيار حتى يختاروا اماما للامة، والثاني اهل الامامة حتى ينتصب احدهم للامامة.[23] فهذا حكم خيالي يوجب ان يختار اهل العقد والحل اماما او ان يتصدى من هو اهل للامامة لها مع ان الامور لا تسير بهذه الطريقة. ثم يذكر من شروط الفريق الاول، اي اهل العقد والحل الذين ينصبون الامام، ثلاثة: الاول العدالة الجامعة لشروطها والثاني العلم الذي يتوصل به الى معرفة من يستحق الامامة على الشروط المعتبرة فيها والثالث الراي والحكمة المؤديان الى اختيار من هو للامامة اصلح وبتدبير المصالح اقوم واعرف.[24] وهي شروط تفترض تصور قوة عليا تقوم بتنصيب اهل العقد والحل. ثم نجد وصفا لتنصيب الامام مغرقا في الخيال: فاذا اجتمع اهل العقد والحل للاختيار تصفحوا احوال اهل الامامة الموجودة فيهم شروطها فقدموا للبيعة منهم اكثرهم فضلا وأكملهم شروطا ومن يسرع الناس الى طاعته.[25] وبالطبع لو كانت احوال الامامة وتنصيب الامام بهذه السهولة لما احتيج اصلا للاحكام السلطانية. ثم نرى افتراض حكم شرعي في حالة امامين في بلدين مختلفين: وقال اخرون بل على كل واحد منهما ان يدفع الامامة عن نفسه ويسلمها الى صاحبه طلبا للسلامة وحسما للفتنة ليختار اهل العقد احدهما أو غيرهما.[26] ولذلك فلا عجب الا يؤدي فقه السياسة الشرعية والاحكام السلطانية المستند الى الافتراضات الى شئ. اما الفقه المستند الى الواقع فقد اعطى نتائج اكثر غير انها لم تكن في الغالب مصيبة لانها اما اعتمدت على التسليم بالامر الواقع او رفضه، ومن الامثلة السيئة على ذلك الاحكام الخاصة بامارة التغلب فقد رأت طائفة من الفقهاء ان الكثير من الحالات كانت تغلبا من احدهم على الامام. كانت السابقة هي تولي معاوية للخلافة،[27] ثم استمرت الامثلة وازدادت في فترة انحطاط الدولة العباسية حتى كان الامراء والقواد كالتيوس ينزو بعضهم على بعض. وقد سميت الامارة التي تنتج عن ذلك ايضا بامارة الاستيلاء وهي التي تعقد عن اضطرار وهي ((ان يستولي الامير بالقوة على بلاد يقلده الخليفة امارتها ويفوض اليه تدبيرها وسياستها)).[28] وقد اعتمد المجوزون لامارة التغلب على ادلة عامة في السمع والطاعة اما اقوى ادلتهم فهي المصلحة وهي ان تلك الامارة هي اخف الضررين وهي وسيلة لاخماد الفتن فيكون الخروج على الامير مدعاة لاراقة الدماء.[29] وقد كان ذلك التشريع المجوز لامارة التغلب حجة شرعية لكل طامع في السلطة ولا يجد غير القوة سبيلا الى ذلك. فلم يخمد اذن ذلك التشريع الفتن ولم يمنع اراقة الدماء بل كان مدعاة لاراقة المزيد منها.[30] وما مصر وانقلابها العسكري منا ببعيد. حق الامة لم يتم التنظير لحق الامة، فيما نعلم، بالشكل الذي يحولها الى نظرية توازي النظريات الاخرى، ولذا فمبدأ حق الامة مجال خصب للنظرية الاسلامية في السياسة. ونرجع سبب ذلك القصور الى سطوة الواقع المتمثل فيمن يملك القوة العسكرية ومن يستطيع انشاء الممالك وهم لم يكونوا قطعا الامة في مجموعها. تنبع نظرية حق الامة التي ما زالت بحاجة لصياغة متقنة من مبدأ المسؤولية المشتركة. فالمسؤولية في المجتمع تتوزع بين الحاكم والمحكوم ففساد كل منهما يضعف الدولة ويحيد بها عن طريق العدل وقد يجر الى خرابها. وابسط قدر من المسؤولية التي على الامة ان تتحملها هو واجب النصيحة للحاكم. وقد ذكر الفقهاء ذلك الواجب وتطرقوا الى ما هو اشد حساسية من ذلك وهو واجب تقويم الحاكم ثم الى ما هو اشد وهو عزل الحاكم. غير ان قصور تلك النظرية يكمن في الاليات الواجب توفرها للاضطلاع بتلك الواجبات التي هي حق للامة. وقد تكون اول مرة تعطي فيها الامة تلك الحقوق وان سلبها الحكام ذلك الحق سريعا، فديمقراطية اليونان القديمة لم تكن ديقراطية للامة بل كانت حقا للذكور الاحرار وحظرت على النساء والعبيد. لقد كانت تلك ديمقراطية من يقدر على حمل السلاح، وكان النظام الجمهوري في روما مشابها لها وكذلك كانت الديمقراطية بين القبائل في اوروبا نظاما اساسه عسكري. يمكن اختصار حق الامة في الاسلام فيما يخص النظام السياسي في امرين اساسيين: 1-حق الامة في اختيار الخليفة او على الاقل الرضا باختياره عن طريق البيعة. 2-حق الامة في تقويم الخليفة فمن دونه (قاعدة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر). وقد سلبت طائفة من الفقهاء حق الامة في اختيار الخليفة واعتبروا البيعة هي عقد طاعة الامة للامير بدلا من ان تكون شرطا لصحة الاختيار. وكانت خلافة ابي بكر وعمر مستند من لم يعتبر مجموع الامة مصدر تنصيب الخليفة باعتبار عدم مشاركة كل المسلمين في تنصيب ابي بكر وان ابا بكر عهد لعمر بعده دون اخذ موافقة الامة. والمحاججة بذلك المثالين سليمة من هذه الجهة غير انها غير سليمة من جهة البيعة لان البيعة لابي بكر ثم لعمر كانت حاسمة، ولو فرض الاعلان عن عدم الرضى بهما وعدم البيعة لهما لما تم لهما الامر. وعندما نقارن عصرنا حيث يمكن للامة ممارسة حقها في الاختيار بذلك العصر الذي كان اقرب الى المحال ان يجتمع المسلمون في صعيد واحد لاختيار الخليفة لعلمنا بان القصور لا يكمن في المبدأ بل في وسائل تحقيقه. وقد حصل اجتماع الامة وممارستها حقها في الاختيار في خلافة عثمان حيث ذكرت الروايات ان عبدالرحمن بن عوف بعد ان لم يبق من اصحاب الشورى الستة الا عثمان وعلي طاف على جميع المسلمين لمعرفة رايهم فيمن يختارون فاستشار رؤوس الناس واجنادهم حتى انه سأل الاطفال وسأل العذارى في خدورهن وانه سأل من يرد المدينة من الركبان والاعراب ايضا[31] وقال في يوم البيعة لعلي ان الناس لا يعدلون بعثمان احدا.[32] وتكرر اجتماع الامة في اختيار علي وان كان المعارضون له اكثر منهم لعثمان. وعندما قام اصحاب الجمل ومعاوية ضد علي لم يكن منطلق اي منهم رفض امارته. وكان معاوية اول من افتأت على حق الامة بخروجه على الخليفة الشرعي رغم اعترافه بشرعية خلافته. وكانت حجة معاوية هي الاقتصاص من قتلة عثمان وشكل ذلك تناقضا واضحا في القضية فعثمان رفض ان يدافع عنه احد ولم يقبل ان يراق دم في سبيله فكأنه وهب دمه لكل المسلمين درءا للفتنة فكان فعل اصحاب الجمل ومعاوية متناقضا مع تلك التضحية، وبالطبع مع الفارق الكبير بين اصحاب الجمل الذين اقتصرت قضيتهم على دم عثمان ولم يدفعهم في ذلك منازعة الامير على الامارة وبين معاوية الذي وضح تطلعه للخلافة. وكان الافتئات الثاني من معاوية على حق الامة يخص الشورى في تنصيب الخليفة بعده.[33] وقد توالى الافتئات على حق الامة عبر العصور حتى وصلت النظرية السياسية الاسلامية الى الحضيض وذلك بالاحكام المشرعة لامارة التغلب. الا ان امارة التغلب لم تكن العيب الوحيد في تلك النظرية فقد رافقتها نظرية تمجيد الخليفة بوصفه ظل الله في الارض، فلم تعد الامة في الصورة واصبح الحاكم هو المبتدأ والمنتهى. غير ان النظرية شهدت اشكالا مخففة من الاعتداء على حق الامة ومنها مفهوم اهل العقد والحل. فكان من المفروض ان يشكل اولئك مؤسسة وسطية قوية تنصب الخليفة وتحاسبه وتعزله غير انها وفضلا عن بقاءها حبرا على ورق كانت بالاصل غير مختارة من قبل الامة. فحسب النظرية كانت تلك المؤسسة الوهمية تختار الخليفة غير انها لم تكن منتخبة ولم يكن للامة دورا في انشاءها. لقد بدأ تلاشي مفهوم حق الامة بزوال الخلافة الراشدة ثم اصبح مفهوما غير واقعي في ظل الممارسة الفعلية للحكم والتي اعطت من الحقوق للحاكم ما لم يسمح الخليفة الراشد لنفسه بها وفي ظل التنظير من قبل فقه الاحكام السلطانية لتلك الحقوق. المبحث الثاني مؤسسات واليات النظام السياسي الاسلامي ونقصد بمؤسسات النظام السياسي الاسلامي كل جسم اجتماعي يمكن ان يلعب دورا في الحياة السياسية سواءا في داخل منظومة الحكم او في المعارضة. وتندرج تحت مفهوم المؤسسات كل من مؤسسة الخلافة وتشمل الخليفة ووزراءه وموظفيه وهي مؤسسة حاكمة والمؤسسات الاخرى التي تلعب دورا في الحياة السياسية كمؤسسة حكام الاقاليم العسكريين (وكانت تشارك في تثبيت واضعاف مؤسسة الخلافة العباسية في وقت واحد) واجسام اجتماعية اخرى كان يمكن ان تلعب دورا في كبح الحكم مثل شريحة العلماء التي لم تتحول الى قوة سياسية والعوائل والقبائل التي لم تتحول كذلك الى قوة سياسية تكبح سلطة الخلافة، اما المعارضة السياسية كقوة تأخذ بالوسائل السياسية فلم تكن موجودة الا متفرقة في افراد من العلماء وفي المذاهب وخصوصا المذهب الشيعي ولذا كان من يطلق عليهم المعارضة هم ممارسو الثورة المسلحة وخصوصا الخوارج. وحسب تحديدات مفهوم المؤسسات يمكن تقسيم المؤسسات الى نوعين: 1-مؤسسة الحكم. 2-مؤسسات كبح الحكم. اما اليات النظام السياسي الاسلامي فهي الوسائل المتبعة للحكم او لمعارضته او كبحه ويمكن تقسيمها ايضا الى اليات الحكم واليات كبح الحكم. ونقصد بالكبح ما يعادل نفس المصطلح في النظرية السياسية الغربية وبالاخص الديمقراطية وهي واحدة من نظامين لتقييد السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. فالكبح Checks يعني ان تصد كل سلطة من تلك باقي السلطات عن تجاوز حدودها وينتج عن ذلك نظام التوازنات Balances بين السلطات وهو النظام الثاني. وفي ايام الخلافة الراشدة كان الخليفة العادل نفسه هو الضامن لعدم تجاوز مؤسسة الخلافة لسلطاتها، اما الكبح فكان يمارس فرديا عن طريق النصيحة او حتى عن طريق التلويح بالعصيان الذي لم يكن ضروريا. اما في العهدين الاموي والعباسي عندما فرضت مؤسسة الخلافة القوة فقد ظهرت الحاجة الى وجود مؤسسات موازية تمارس الكبح، الا ان مستوى تطور وسائل الحكم والمساحة الشاسعة التي خضعت لسلطة الخلافة واللجوء الى القوة من قبل مؤسسة الخلافة كانت عوامل غير مساعدة على نشوء مؤسسات المعارضة السلمية ولذلك لجأت المعارضة الى السلاح، اما المعارضة السلمية فلم تعبر عن نفسها في افعال سياسية او جماهيرية. وبغياب المعارضة السياسية السلمية وبغياب اليات العمل السياسي اصبح كل كلام عن السياسة الشرعية مجرد نظريات غير قابلة للتحقيق الا ما كان منها وصفا للواقع بصيغة احكام فقهية. مؤسسة الخلافة لم تكن هناك اليات لانتخاب الخليفة فالخليفة كان يعين من قبل من يسبقه ويتم التعيين في حياة الخليفة نفسه درءا للتنازع بين ابناء او اخوة الخليفة الحالي. فكانت الالية هي الية تعيين الخليفة وليس انتخابه، او الية الاستبداد بالامر دون المسلمين وليست الية شورى بينهم. اما اليات مراقبة ومحاسبة الخليفة فكانت ابعد من ذلك. والفكر المنظر لم يعين، على ما نعلم، الية للمراقبة والمحاسبة وانما جعل من الخليفة رقيبا على نفسه، ثم انحط مفهوم المراقبة عندما جعل من الخليفة ظل الله على الارض. ولم يقدم الفكر المنظر في احسن احواله سوى مناصحة الحاكم وان كان هناك من قيد تلك المناصحة واوجب بذلها للحاكم سرا حفاظا على هيبته. وينص الفكر المنظر على مراعاة الخليفة لمصالح ألامة لكن بدون ضمانات لتطبيق الخليفة لذلك بل كانت مجرد مواعظ دينية واخلاقية تمزج مع سرد تجارب حكمة ملوك الماضي الغابر. ولذلك كان تأسيس العدالة مرتبط نظريا وواقعيا بالحاكم او الخليفة وبالتالي كانت مسألة حظ بدلا من ان يتم اجبار الحاكم على مراعاة العدالة. المؤسسات والواقع لم يفرز الواقع الاجتماعي والاقتصادي مؤسسات تستطيع كبح مؤسسة الخلافة، فذلك الواقع لم يسمح مثلا بنشوء ارستقراطية اسلامية تمنع الخليفة من تجاوز صلاحياته. وقد كان نشوء الدولة سابقا على نشوء الارستقراطية لان الفتوحات وتوسع الدولة جاءا بسرعة اما في الغرب فكان نشوء الدولة او تطورها لاحقا لنشوء الارستقراطيات التي امتلكت قوة سياسية واقتصادية كما في اليونان وروما القديمة او قوة عسكرية كما في العصور الوسطى. وغياب المؤسسات والاليات الكابحة للسلطة تفسره حقيقة ان الديمقراطية او حكم القلة الارستقراطية تلائم المجتمعات والدول المحدودة وليس عابرة القارات. واثناء تدهور مؤسسة الخلافة نشأت ما يشبه ارستقراطيات عسكرية حيث وجد حاكم اقليم له جيش و حكم ذاتي ونظام جباية وكان في بعض الاحيان اقوى من الخليفة. لم ينشئ حكام الاقاليم انفسهم مؤسسة، مثل مجلس للشيوخ، توازي مؤسسة الخلافة بسبب تباعد البلدان وبسبب التنافس بين الحكام. وقد افرزت الارستقراطية العسكرية القادة العسكريين الذين كان بيدهم عزل الخليفة وقد تكررت ظاهرة الحرس البريتوري الروماني في الدولة العباسية عندما حكم القادة الى جانب الخليفة في بغداد، فكما كان الحرس البريتوري يغتال الاباطرة الرومان وينصب غيرهم كان القادة اولئك يقتلون الخلفاء ويسملون اعين غيرهم لينصبوا خليفة غيره.[34] وقد كون القادة العسكريين في الدولة العباسية مؤسسة موازية للخلافة وطاغية عليها لكنها كانت مؤسسة هدم لكل من الخلافة والنظام السياسي. المؤسسات الوسطية لابد من وجود مؤسسات وسيطة تقع بين السلطة والشعب حتى لاتكون اليات كبح الحكم حبرا على ورق ولكي يكون منع استبداد الحاكم فعالا. وقد افتقرت الخلافة الراشدة وما بعدها الى مؤسسات كتلك لكن السلوك المستقيم للخلفاء الراشدين وقى شر عدم وجودها وان ظهر الخلل اواخر ايام عثمان بن عفان حيث بدت الهوة بين الخليفة والشعب وتوارى كثير من الصحابة الى الظل وكانت المعارضة من قبلهم فردية، اما المعارضة الجماعية فقد نشأت بين من دخلوا المدينة وحاصروا الخليفة في بيته وكانت معارضة بدأت سلمية ثم اشتطت وسفكت الدماء. ويبدو ان نظريات الحكم لم تنتبه لاهمية المؤسسات الوسطية كرادع للحاكم وربما كانت ستقابل بشكوك قوية في حالة طرحها او انشاءها باعتبارها تفتت سلطة الدولة[35] وقنعت تلك النظريات بالاعتماد على رقابة الخليفة على نفسه مع ان استقامة الحاكم كانت وما تزال مسألة حظ، وقنعت اكثر النظريات ايضا بالاقتصار على نصح العلماء للحاكم. وليس عجبا بعد ذلك ان تؤدي كل من النظريتين اللتين تشتركان برفضهما للمؤسسات الوسطية وتفترقان بكون احدهما تمجد الحاكم والاخرى تمجد الشعب الى نفس النتيجة من الاستبداد. العلماء كشريحة النص المؤسس (القران والحديث) وما نتج عنه (فقه وتفسير..الخ) خلق شريحة عريضة هم العلماء كانت في بعض الاحيان كابحة لنظام الحكم وكان راسمالها معنويا وتستمد قوتها من الدين من ناحية ومن الامة ناحية اخرى. وعندما ضعف الاجتهاد لم يظهر ائمة كبار لهم ذلك الراسمال وترافق ذلك مع تراجع مبادئ الحكم الصالح. كانت احدى نقاط ضعف شريحة العلماء رغم عددها الضخم هي عدم اندراجها في مؤسسة لها اليات للاجتماع او اتخاذ القرار بل كانت تكتفي باصدار فتاوى غلب عليها الطابع الفردي، ولذلك تراوحت جهود العلماء لتصحيح اوضاع الحكم والدولة بين النجاح والفشل وكانت الى الفشل اقرب. العوائل والقبائل عجزت العوائل عن كبح الخليفة بل سارت في المسار العكسي وساعدت في تضخم الدولة كما حصل مع الامويين عندما استغل اولئك الصراع بين القيسية واليمانية وان ادى ذلك الى شروخ اضافية لحكمهم. وفعل العباسيون نفس الشئ بخصوص العائلة الحاكمة التي لم تعد تمثل سلطة عسكرية بل استمدت قوتها من الدين وحازت بذلك على سلطة دينية تتمثل في قرابة العباس للنبي اضافة الى وضع احاديث في فضل بني العباس والتأسيس لدولتهم، ومن هنا لم تتمكن القبائل من وضع الية لمراقبة الحاكم او تنصيبه او عزله بل ولم يكن اصلا من الممكن طرح انشاء الية كتلك. المعارضة والاحزاب السياسية والية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم تنفيذ المعاصي التي يأمر بها الحاكم، والتي سنذكرها فيما بعد، تحتاج ان تكون في اطار مؤسسة لا يمكن للحاكم التعرض لها الا اذا خاطر باثارة العامة. والمعارضة المنظمة هي احدى تلك المؤسسات، فالمعارضة تقلل من احتمال تعرض من يعصي الاوامر المنكرة للعقوبة او الملاحقة، والفقهاء الذين ينكرون شرعية المعارضة ويحرمون الاحزاب السياسية يحكمون بايجاد علاقة بسيطة هي علاقة الحاكم بالرعية وهي علاقة يمكن التحكم بها ومن خلالها ابطال مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وعصيان الامر بالمعصية. ويحتاج تحقيق مفهوم المعارضة الى مفهوم المشاركة في القرار السياسي ويكون على مرحلتين: 1-دور الامة في انتخاب الخليفة. 2-مراقبة الخليفة وعماله. وبسبب الثورات التي كان لقمع السلطة دورا كبيرا فيها كانت السلطة تنظر بعين الارتياب للمعارضة السلمية الفردية ووصل الارتياب الى الحكم بالظنة بدلا من تحكيم البينة، ومن ثم استمرت الثورات المسلحة تستمد احدى اسس شرعيتها من ممارسات السلطة تلك. الثورة المسلحة بين الواقع والفكر اثرت عوامل عدة على نشوء وانتشار نظريات الثورة المسلحة ضد حكام الجور: 1-عوامل نصية وتاريخية: وهي مبادئ الاسلام التي كانت تنص على العدل وذم الظلم وعدم انتشار الاحاديث التي تحض على الصبر على الامراء في حالتي العدل والجور. فالحديث لم يتم جمعه والاعتناء به في تلك الفترة مما جعل القران المرجع الحاسم. ومن العوامل النصية ايضا ما كان متعلقا بالعقيدة وكما حصل مع علي حين خرج عليه الحرورية بعد التحكيم. اما بخصوص العوامل التاريخية فقد وجدت السوابق في الحكم العادل واولها الحكم النبوي ثم حكم الشيخين. وقد كان عهد المسلمين بالخلافة الراشدة قريبا وكان مصطلح سنة ابي بكر وعمر متداولا، فكانت هناك مطالب للرجوع الى سنة ابي بكر وعمر في الحكم. 2-عوامل موضوعية من الواقع: كان الواقع يخالف مبادئ الاسلام في العدالة ويخالف الحكم النبوي وسنة ابي بكر وعمر. وقد برز التحدي الاول وهو الغاء الشورى في اختيار الخليفة وتحويلها الى طريقتين في تسلم الحكم لم تكونا في الاسلام: اولهما امارة التغلب التي قام بها معاوية ثم حاولها مروان بن الحكم في خروجه على عبدالله بن الزبير. وثانيهما امارة التوريث التي بدأها معاوية واستمرت في العهد الاموي. وكان الموضوع الاخر ايثار الاقارب في الحكم والمال. وكان المال هو العامل الثالث الاقوى فقد خالفت السنة الاموية سنة ابي بكر وعمر التي منعت المال من ان يكون دولة بين الاغنياء او ان يستاثر به الاقارب. وكان الشعار انذاك المال مال الله فيما ابتدع الامويون سياسة المال مالنا والفئ فيئنا فمن شئنا اعطينا ومن شئنا منعنا.[36] 3-عوامل اجتماعية واقتصادية: كان العرب قبل الاسلام وفي اول انتشار الاسلام يحكمهم النظام القبلي حتى في المدن. وكانت من خصائص النظام القبلي المساواة بين الافراد الاحرار من ابناء القبائل القوية. كان رأس القبيلة هو الاول بين الانداد وليس مستبدا متفردا وقد رسّخ النظام الاسلامي في دوره النبوي ثم في فترة الشيخين فكرة المساواة. ومن هنا لم تلق نظرية علي التي كانت تنص على ان اهل بيت النبوة، وفي تلك الحالة هو او عمه العباس،[37] اذنا صاغية عند اغلب المسلمين. فلم تمهد الارضية الصالحة لطريقة الوراثة في الحكم لسببين: من ناحية مبادئ الاسلام والتطبيق النبوي للحكم الاسلامي ومن الاخرى التنظيم القبلي بين العرب وتاريخهم الذي لم يعرف الا حالات نادرة لحكم يتوارثه الابناء عن الاباء. ومن هنا فان انفة العرب من تحكم العوائل كانت لها دور في الثورات المسلحة. اضافة لذلك كان الاستئثار بالمال وكما تم ذكره في العوامل الموضوعية من اسباب عدم الاعتراف بشرعية الحكم الاموي. المذاهب والية كبح الحكام لم تقدم المذاهب الاسلامية الكثير في مجال المعارضة السياسية السلمية نظرا لانعدام الاليات الخاصة بذلك النوع من المعارضة وذلك بسبب مستوى التطور السياسي وبسبب ان الامور نحت منحى عنيفا جعل المعارضة تلجأ الى السلاح لحسم الصراع. ويشكل مذهب الارجاء الارضية المناسبة للتبرير الشرعي للحكم ايا كان، اما المذاهب الاخرى فقد تفاوتت استجابتها لتحديات السلطة، ونذكر من تلك المذاهب المذهبين الشيعي والخارجي. الشيعة نشأ التشيع من اصلين وافقته في ثانيهما الغالبية العظمى من السنة: 1-افضلية علي واحقيته للخلافة. 2-الحق معه ضد من قاتله. وجدت في ايام علي اصوات تنتقد الشيخين في حين كان التبرؤ من عثمان اقوى واوضح. ويتضح من ذلك تاثير الواقع على التشيع لان الموقف السلبي من عثمان كان بسبب محاباته لاقربائه[38] الذي نجم عنه تقوية موقعهم وخصوصا معاوية. اما التبرؤ من الشيخين فكان ضعيفا لان موجباته لم تكن بتلك القوة وكان الدافع من ذلك هو التصور بان خلافتهما منعت خلافة علي وكانت السبب لتكدير خلافته وان كنا نشك في ذلك باعتبار ذلك روايات لاحقة اسقطت افكار ايامها على ايام علي. في تلك الفترة كان الفكر الشيعي سياسيا صرفا عدا عن بعض الحالات المتطرفة التي لم تجد لها صدى كبير من قبيل الغلو في علي. في الفترة التي تلت انتشر التبرؤ من الشيخين كرد فعل لما حصل من مآسي من انتصار معاوية ثم مقتل الحسين ثم ما تلى ذلك من مظالم الامويين. ونلاحظ الخلاف في البيت الشيعي واضحا من موقف زيد بن علي زين العابدين (توفي سنة 121 او 122 هجرية) من التبرؤ من الشيخين ورفضه لذلك التبرؤ. وفي تلك الفترة اضيف الفقه الى الفكر الشيعي. وكان الشيعة في العقيدة مثل السنة يتوزعون بين المدارس الفكرية من اعتزال وتجسيم وارجاء وغيرها. تطور الفكر الشيعي ليصبح في مقابل السنة بدلا من ان يكون في مقابل الحكم الاموي ثم العباسي. وفي العصور التي تلت ونتيجة للغلو في علي وال البيت اصبح الفكر الشيعي غير مقصور على الاتجاهين السياسي والفقهي بل تعداه الى التنظير العقيدي واصبح الفكر الشيعي عقيدة ايضا: الايمان بالوصية، الايمان بالائمة وعصمتهم، الايمان بالمهدي.... وهكذا كان الواقع سببا في تشكيل الفكر الشيعي وخصوصا في جانبه السياسي. وباعتبار هذا لم يكن من الممكن ان يندمج الشيعة في عملية سياسية يكون دورهم فيها مراقبة الحاكم وانما كان هدفهم الحكم نفسه. الخوارج كان الواقع الاجتماعي والاقتصادي ذا اثر كبير على فكر الخوارج. ففكر الخوارج بدأ بسيطا بسبب نشاته بين القبائل العربية البدوية (الاعراب). وكانت علاقات القبيلة اشبه بديمقراطية النبلاء حيث الافراد المتنفذون في القبيلة على مرتبة واحدة فيما يكون رأس القبيلة هو الاول بين الانداد.[39] ورغم ان العرف السائد جعل رئاسة القبيلة في عائلة معينة لكن العرف نفسه كان يعني امكان انتقال الرئاسة الى عائلة اخرى. وبامتزاج ذلك الواقع مع مبادئ الاسلام لم يقبل الخوارج مبدأ الخلافة في قريش. وتطرف البعض منهم (فرقة النجدات) فالغى الحاجة الى امام.[40] وهذه الفكرة، اي عدم وجود سلطة، وان نشأت في الغرب مع التقدم العلمي والتكنولوجي والفلسفي في الغرب في القرن التاسع عشر فيما عرف بالمدرسة الفوضوية، اي نشات مع تقدم المدنية والتحضر لكنها نشات بين الخوارج كاسقاط للواقع القبلي حيث الحالات التي لا تسود فيها عائلة او شخص على المجتمع. وكانت هذه الحالة نفسها موجودة في مكة حيث لم تكون يسود بيت منها و لا رجل منها وكانت الرسالة بمثابة تهديد لبيوت مكة الاخرى باستعلاء بني عبد مناف على قريش.[41] غياب الية شق عصا الطاعة في المنكر السمع والطاعة في المعروف مبدأ يكاد يكون مجمع عليه ومنصوص عليه في القران والسنة، وفي القران يطبق حتى على النبي كما جاء في بيعة النساء: ((ولا يعصِينَكَ في معروفٍ- الممتحنة: 12)).. فدل على جواز عصيان حتى النبي فيما ليس بمعروف وهو وان كان فرضا مستحيلا لاستحالة أن يأمر النبي بمنكر لكنها اشارة قوية من القران للمعصية في المنكر لاي كان. وفي السنة الكثير من ذلك: ((السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية))، كما سبق وتطرقنا اليه. لكن هذا المبدأ يكاد يتساوى والعدم الا في الحالات الفردية اي حالة شخص يأمر اخرا بأمر فيه معصية. اما في الامر العام فليست هناك الية للمعصية في المنكر فكأنّ المبدأ ينقصه امر مكمل وهو: وان ضربك الحاكم او سجنك او قتلك.. وتوقع العقوبة ليس مانعا من تطبيق المبدا فحسب بل الغاء له، فعصيان الحاكم في المنكر غير ممكن مع غياب الالية ومع ترك التنفيذ للافراد مع توقع العقوبة. ونعتبر الية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من اقوى الاليات التي تستطيع تعديل مسار الحكم. وتلك الالية ضرورية حتى للنظريات غير الاسلامية مثل النظرية الديمقراطية. فمن المشاكل التي تواجه النظرية الديمقراطية هي غياب رقابة الشعب او ضعفها على الحكم وكون سيادة الشعب تمارس ايام الانتخابات فقط،[42] ومن ثم اخترعت اليات للرقابة الشعبية ما بين الانتخابات ومن ذلك الاستفتاء والاعتراض وحق الاقالة Recall الممارس في الولايات المتحدة الاميركية،[43] لكن اليات كتلك تظل قاصرة، اضافة الى حرية التعبير والصحافة. اما الية الامر والنهي الاسلامية فاكثر كفاءة ويمكن ممارستها على مدى الايام وفي مختلف مجالات الحكم وبذلك نعتبرها الالية التي تستطيع معالجة ذلك العيب في النظرية الديمقراطية، لكن طبعا مع تحريرها مما علق بها من مفاهيم اهمها: 1-قصر الامر والنهي على الافراد وعدم تأطيرها في مؤسسات، فالامر والنهي اكثر فعالية اذا مورسا ضمن مؤسسات. 2-التركيز على الامور الشخصية للافراد مثل سلوكهم وزيهم وقضايا شرب الخمر او القضايا الجنسية بعيدا عن ما هو اهم وهو الشان العام الذي بفساده يفسد كل من المجتمع والافراد. وبذلك تمثل تلك الالية الطريقة المثلى لمحاربة السلبية في الامة وهي، اي السلبية، التي ادرك مفكرو الغرب خطرها على الديمقراطية التي هي نظام سياسي بالدرجة الاولى فكيف بالنظام الاسلامي الذي يشكل الجانب السياسي احد مكوناته لا غير؟ مقترب لاصلاح الفكر السياسي الاسلامي تبدو الحاجة ملحة لاصلاح الفكر السياسي الاسلامي خصوصا مع ملاحظة تخلف الامة الشديد فيما يخص الحريات وحقوق المواطنة واليات مراقبة ومحاسبة الحكام التي توجد بدرجة او باخرى في الامم غير المسلمة. ونلخص بعض خطوات الاصلاح تكون مدخلا لمقتربات لذلك الاصلاح وتمهد الطريق لطرح مقتربات اخرى: 1-مراجعة الموروث الفقهي فيما يخص سياسة الحكم وعدم ايلاء اعتبار كبير للاحكام التي تكاد تكتسب صفة النص المقدس لكثرة تكرارها. وتشمل المراجعة مقارنة ذلك الموروث بعصره واستخلاص ما هو مفيد لعصرنا. 2-فهم جديد للنصوص ويشمل ذلك ربطها بزمنها وعزل ماهو حكم او خبر لكل مكان وزمان مما قد يبدو مختصا بزمان ومكان ظهور النص. 3-عدم التقيد بالحرفيات فيما يخص الاحاديث النبوية، فمن المعلوم ان اكثر الاحاديث هي احاديث احاد وان الراوي قد يكون روى الحديث بالمعنى، ولما كانت تترتب على الاحاديث السياسية امور خطيرة تمس الامة فقد يؤدي التمسك بحرفية بعض الاحاديث الى نتائج تخالف مبادئ العدالة وكرامة الانسان كما نراها في القران وكثير من الاحاديث. 4-قد يبدو صعبا ان تؤدي النظرية السياسية الى تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع غير ان ذلك ليس مستحيلا، وعندما يتم تغيير ذلك الواقع سوف يفرز المجتمع مؤسسات قد تساعد على انشاء اليات مراقبة الحكم.[44] 5-اعادة دراسة ما اصطلح عليه بالعقيدة. فالعقيدة التي كان اصلها في القران الايمان بامور محددة تشبعت بافكار لم يتم التعامل مع كافكار بل كقضايا ايمانية.[45] ومن تلك القضايا مسائل الجبر والاختيار التي برزت كعقيدة لكن منشأها كان سياسيا. فتحرير النظرية السياسية من الجبر والاختيار وبالتحديد من العقيدة الجبرية يعطي املا للمسلم بامكان تغيير الواقع. 6-ايلاء مفهوم حق الامة دورا مركزيا في النظرية السياسية الاسلامية فالاسلام لم ينزل لاستعباد واذلال الانسان ولا يمكن لفكر او فقه ينظّران لاذلال الانسان او يعتبران الامة طفلا قاصرا ان يساعدا على الالتزام بالاسلام ونشره بين غير المسلمين. ولما كان الحاكم يحكم الامة فلها حق الرضا بالحاكم ويشمل ذلك الرضا تنصيبه وتقويمه وان لزم الامر عزله. وقد كان اوج عز الامة من حيث موقعها بين الامم ومن حيث حقوق الافراد اثناء الخلافة الراشدة عندما كان يُنظر للامة على انها صاحبة الحق في الحكم على من يحكمها ووضح ذلك في خلافة ابي بكر وعمر وكان في خلافة عمر اوضح لطول مدة خلافته. 7-عدم الخوف من سلطة الامة بحجة سيادة الدهماء والرعاع كما يقول البعض. هذا الخوف هو احد اسباب تسليم مقاليد الامور جميعا الى الحاكم او في احسن الاحوال الاكتفاء باهل العقد والحل واهمال باقي الامة. وقد علِمنا من تجارب الماضي انه لم تؤدي سلطة الحاكم الذي تؤول اليه كل الامور الى خير دائما، اما اهل العقد والحل فقد بقوا وهما على الاوراق وعلى فرض وجودهم فليست هناك ضمانة ضد فسادهم او استبدادهم او تبعيتهم للحاكم المستبد. ان النظر بارتياب الى عموم الامة يؤدي الى فقدان الامة لثقتها بنفسها وتشبه حالة من يوصف بالفشل اينما ذهب فيكون هذا سبب شعوره بالفشل وفشله فعلا. فعلى النظرية السياسية الاهتمام بتربية الامة تربية سياسية سليمة تجعلها تضطلع بمسؤولياتها وتعيد اليها كرامتها التي اهدرها الحكام. 8-احياء مفهوم الشورى لكن من خلال تنظير غني يراعي الزمن الراهن وعدم الالتفاف الى نقد البعض للشورى باحتمال ارتكاب اهل الشورى للاخطاء، ونحن هنا نقرر قاعدة مفادها ان قرارا خاطئا يتخذ عن طريق الشورى افضل من قرار صائب يتخذ عن طريق الاستبداد. فالاستبداد قد يتخذ قرارات صائبة نابعة من اطلاعه على الاوضاع لكن سرعان ما تتوالى القرارات الخاطئة النابعة عن زهو المستبد بنفسه وبعده عن المحاسبة، اما الامة التي يتم تربيتها على الشورى فسوف تتعلم بالتدريج اتخاذ القرارات الصائبة. 9-الشورى هي احدى اليات حق الامة ولذلك لا يمكن قصرها على اهل العقد والحل. فايا كان اولئك فعلى الامة انتخابهم بما انهم يمثلون الامة فلا يمكن تصور ان يمثل الامة من كان معينا من قبل الحاكم او من عين نفسه بنفسه. وممارسة الشورى المؤدية الى تنصيب اهل العقد والحل لا ينهي حق الامة بل يستمر ويكون حقها في مراقبة ومحاسبة وعزل كل من الحاكم واهل العقد والحل. 10-يجب ان تكون كرامة المسلم المبدأ الاساس للنظرية السياسية، فكرامة المسلم تعني تحصينه ضد الظلم وضد الفقر غير المبرر ويعني كل ذلك حفظ دينه لان نظاما يكفل كرامة الانسان لن يكون سببا لفتنة المسلم في دينه، لكن ظن الكثيرون خطأً ان قوة الحكم وحفظ الثغور وفتح البلدان وقمع البدعة واقامة الحدود.. كل ذلك كفيل بحفظ الدين ولم ينتبهوا الى ان الدين يعني القبول القلبي والتسليم لله بالقلب والجوارح اما تلك الاجراءات فهي امور تاتي كنتائج للحكم الاسلامي الراشد ولا تستطيع وحدها تأسيس ذلك الحكم. نتائج ملخصة عانت النظرية السياسية الاسلامية وما تزال تعاني من قصور في التنظير والتأسيس وأرجعنا ذلك الى تأثر النظرية بالنظام السياسي كما كان على الارض، وكذلك الى قصور النظرية فيما يخص النص، اي القران والحديث. اما النظام السياسي الاسلامي نفسه فقد تأسس متأثرا بالواقع الاجتماعي لزمنه فيما عادت النظرية السياسية واثرت على النظام غير ان ذلك لم يكن في صالح تغييره او تعديله الا في حدود ضيقة. ولم يتح انعدام او ضعف المؤسسات وجود قوى فاعلة تساعد على كبح السلطة بما يضمن عدم استبدادها أو جنوحها للظلم، وكان ذلك الضعف نتاجا لواقع موضوعي جعل تشكيل تلك المؤسسات امرا صعبا، وكانت هناك حالات فاقمت فيها مؤسسات معينة في تدهور الحكم. اما حق الامة في اختيار الحاكم او تعديله فقد تلاشى مع زوال الخلافة الراشدة ولم يعد حق الامة مفهوما واقعيا. وقد اثر الاستبداد واثرت المظالم على الفكر في مجالات اخرى فنشأت الافكار الجبرية والقدرية التي بدت افكارا في العقيدة الا ان اصلها كان سياسيا. ان اصلاح الفكر السياسي الاسلامي يتلخص بمراجعة الموروث الفقهي في مجال الحكم والتخلص من الاحكام التي تكاد تكتسب القدسية وكذلك التعامل السليم مع النص ومحاولة تغيير الواقع الاجتماعي عن طريق النظرية، والتخلص من النظرية الجبرية والتركيز على مفهوم حق الامة واحياء مفهوم الشورى وجعل كرامة المسلم النقطة الاساس في النظرية السياسية الاسلامية وان تكون الهداية، ونعني تثبيت المسلمين على دينهم وهداية غير المسلمين، المنطلق لتلك النظرية. مصادر -صحيح البخاري (نسخة الكترونية) -صحيح مسلم (نسخة الكترونية) -أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار الريان للتراث، 1407هـ - 1986م (نسخة الكترونية). -ابو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، كتاب الاحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق د. احمد مبارك البغدادي، ط1، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت، 1409-1989. -عماد الدين ابو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير، البداية والنهاية، تحقيق د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي دار هجر، ط1، 1418-1998. - ابن حزم الظاهري(علي بن محمد)، الفصل في الملل والاهواء والنحل، تحقيق: د.محمد ابراهيم نصر و د. عبدالرحمن عميرة،ط2، دار الجيل، بيروت، 1416-1996. -الاشعري (ابو الحسن علي بن اسماعيل)، مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، ط1، مكتبة النهضة، القاهرة، 1369-1950. - ابن اسحاق (محمد بن اسحاق بن يسار)، السيرة النبوية، تحقيق وتعليق احمد فريد المزيدي، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1424-2004. -الطبري (ابو جعفر محمد بن جرير)، تفسير الطبري، جامع البيان عن تاويل آي القرآن، تحقيق: د.عبدالله بن عبدالمحسن التركي، ط1، دار هجر، 1422-2001. -محمد ناصر الدين الالباني، سلسلة الاحاديث الصحيحة وشئ من فقهها وفوائدها، ط1، مكتبة المعارف، الرياض، 1415-1995. -محمد عبد الله عنان، دولة الإسلام في الأندلس، ط4، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1417- 1997. -محمد بن طاهر البرزنجي، صحيح وضعيف تاريخ الطبري، ط1، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، 2007. -كامل علي ابراهيم رباع، نظرية الخروج في الفقه الاسلامي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1425-2004. -ارسطو، السياسيات، ت. الاب اوغسطينس بربارة البولسي، اللجنة الدولية لترجمة الروائع الانسانية، بيروت، 1957. -جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي، ت. ذوقان قرقوط، بغداد، 1983. -رونالد سترومبرج، تاريخ الفكر الاوروبي الحديث، 1601-1977، ت. احمد الشيباني، ط3، دار القارئ العربي، القاهرة، 1415-1994. -ول ديورانت، قصة الفسلفة من افلاطون الى جون ديوي، ت. د. فتح الله محمد المشعشع، ط، 6، مكتبة المعارف، بيروت، 1408-1988. - نيقولو مكيافلي، مطارحات مكيافلي، ت. خيري حماد، ط2، دار الافاق الجديدة، بيروت، 1979. - جان توشار، تاريخ الافكار السياسية، ت. ناجي الدراوشة، ط1، دار التكوين، دمشق، 2010. -اميل دوركايم، قواعد المنهج في علم الاجتماع، ت. د. محمود قاسم ، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1988. -توماس كارليل، الابطال وعبادة البطولة (العنوان الاصلي: الابطال وعبادة البطل)، ت. عبدالرحمن البرقوقي، د.ت. -كارل ماركس، فريدريك انجلز، البيان الشيوعي، دون مترجم، دون تاريخ (نسخة الكترونية). -فلاديمير لينين، ما العمل؟ المسائل الملحة لحركتنا (نسخة الكترونية). -ج. بليخانوف، في تطور النظرة الواحدية الى التاريخ، دون مترجم، دار التقدم، موسكو، 1981. -Jackson J. Spielvogel, Western Civilization, 7th edition, Wadsworth, 2011. -Woodrow Wilson, Congressional Government, A Study in American Politics, Meridian Books, New York, 1956, (Originally published: 1885). -Pierre Courtade, The Referendum in France: Results and prospects, in; International Affairs, 11, 1958, p.34 ------------------------- * بحث مقدم في المؤتمر الثالث لمركز الزهاوي في السليمانية (كردستان العراق). المؤتمر عقد تحت عنوان (النظام السياسي في الفكر الإسلامي - تحديات الواقع وآفاق المستقبل) يومي 16 و17 ايار (مايو) 2014. هوامش [1] وكمثال على تاثير الواقع الموضوعي على النظام السياسي وجود برلمانات في كثير من الدول الاوربية في القرون السابقة يكون ممثليها من الاقطاعيين والاكليروس. فالاقطاع شكل قوة اقتصادية كبيرة في تلك الدول وقد حاز ايضا على قوة عسكرية، في حين ان غياب الاقطاع كقوة اقتصادية وعسكرية في عصر ازدهار دولة الخلافة (اضافة الى اتساع رقعة الخلافة) منع نشوء مؤسسة مثل البرلمانات الاوروبية. اما مثال استناد النظرية السياسية على النظام السياسي فهو واضح بشكل كبير في الاحكام السلطانية التي فصلّت بالاعتماد على النظام السياسي الموجود انذاك (اضافة الى النص والتاريخ) ويمكن ملاحظة ذلك في التنظير لمباحث مثل: شروط الامامة، وزارة الاستيلاء، وزارة التفويض.. الخ، انظر مثلا كتاب الاحكام السلطانية للماوردي.
[2] وكمثال على التاثير المعكوس للنظام السياسي على الواقع معتمدا على وعي النظام هو ان النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي تدخل واعيا في الواقع فقام بانشاء مزارع جماعية قسرا لتحل محل الزراعة الفردية مما الى نشوء واقع اجتماعي-اقتصادي لم يكن موجودا من قبل. ومثال على التاثير المعكوس للتنظير على النظام السياسي تنظير الرئيس الاميركي ودرو ويلسون، ونشر في ذلك كتابا، ايام عمل استاذا في الجامعة لتغيير النظام الرئاسي الاميركي الى نظام برلماني اسوة ببريطانيا بهدف تقوية السلطة التنفيذية وانصب نقده على ان السلطة متمركزة في السلطة التشريعية (الكونغرس)، انظر: W. Wilson, Congressional Government, pp.30-31. وقد فشلت محاولته تلك بسبب عدم قابلية الطرح للتحقق. وقد تخلى ويلسون عن محاولته تلك عندما انتخب رئيسا، اما تقوية السلطة التنفيذية بالفعل فقد قام بها الرؤوساء اللاحقون دون الحاجة الى تعديل دستوري. وكمثال على طرح قابل للتحقق محاولة الرئيس الفرنسي شارل ديغول سنة 1958، عبر اجراء استفتاء، زيادة سلطات رئيس الجمهورية في بلد كان مركز الثقل فيه في البرلمان وشهد عجز الحكومات وسرعة سقوطها. وقد كانت نتيجة ذلك تغييرات ذات ابعاد كبيرة فبعد ان كان دور الرئيس رمزيا اعطى الدستور الذي قدمه ديغول ووافق عليه الشعب صلاحيات للرئيس لم يحلم بها اي ملك ولا حتى نابليون الاول: P. Courtade, The Referendum in France.., p.34. وكان التعديل الذي شهده النظام السياسي بعد المحاولة الواعية للمنظر سببا في نهاية ما تسمى بالجمهورية الرابعة ونشوء الجمهورية الخامسة. [3] استثنينا الجانب السياسي من الدين والفكر لان ذلك الجانب سوف يدخل في تشكيل النظام السياسي وبذلك لن يشكل الواقع بالمعنى المشار اليه اعلاه. وكمثال على الجانب غير السياسي فان الاديان والمذاهب التي تمجد البطولة والشهرة سوف تؤثر على النظام السياسي بطريقة مختلفة عن تلك التي تحض على الخمول، وقد ذكرنا بان دور الفكر والدين في المجال غير السياسي غير حاسم فيما يتعلق بالنظرية السياسية لان قيمة معينة في دين معين قد توجد في نظام سياسي يختلف عن نظام سياسي يحوى نفس القيمة، فمثلا كان التركيز على الحياة الدنيوية كقيمة دينية في الاديان الوثنية موجودا في ظل انظمة يحكم فيها ملك مستبد او متفرد كما كان في ظل انظمة ديمقراطية قديمة ولايزال موجودا في الانظمة الحديثة رغم انه من المفترض ان تؤدي تلك القيمة الى النضال من اجل القيم التي تدعو لها الديمقراطية من المشاركة في الحياة السياسة لتحسين واصلاح الواقع. وفي احوال اخرى كان هناك تشابه بين القيم الدينية والحياة السياسية فقد كانت هناك اديان تفرز مساحات واسعة للحياة الاخرة وعاشت في ظل انظمة متشابهة مثل الديانة الفرعونية التي وجدت في بلد شهد في اكثر عصوره حكم الملك الاوحد، ومسيحية القرون الوسطى التي احتقرت الحياة الدنيا ووجدت في ظل حكام مستبدين، غير ان مقارنات كتلك يجب ان تعقد بحذر شديد ودراسة عميقة لان العوامل الاخرى اكثر تأثيرا من الجانب غير السياسي في الدين. [4] يقول كارلايل في مستهل كتابه: ((وكل ما تراه قائما في هذا الوجود كاملا متقنا فاعلم انه نتيجة أفكار اولئك العظماء الذين اصطفاهم الله وارسلهم الى الناس ليؤدي كلٌ ما ناطته به القدرة الالهية من الخير. فروح تاريخ العالم انما هو تاريخ اولئك الفحول)). توماس كارليل، الابطال وعبادة البطولة، ج1، ص1. [5] ((وهل يبرهن تاريخ الافكار على شئ سوى ان الانتاج الفكري يتحول بتحول الانتاج المادي؟ فالافكار التي سادت عصرا من العصور لم تكن قط الا افكار الطبقة السائدة))..ماركس وانجلز، البيان الشيوعي، الفصل الثاني، بروليتاريون وشيوعيون، ص15. وسوف يعمق فيما بعد كل من ماركس وانجلز هذا المرتكز، اي التاكيد على الاساس المادي المتمثل بالانتاج والطبقات لعالم الافكار والفلسفات والاديان ويجعلان من مسيرة التاريخ حسب الخطة التي يزعمان انهما اكتشفاها مسيرة حتمية. [6] الظواهر الاجتماعية موجودة خارج شعور الافراد (دوركايم، قواعد المنهج في علم الاجتماع، ص 51)، بل انها واكثر من ذلك ((تمتاز بقوة آمرة قاهرة هي السبب في انها تستطيع ان تفرض نفسها على الفرد اراد ذلك ام لم يرد)).. قواعد المنهج..، ص52. [7] وقد وجد الاتجاه التوفيقي وهو الذي يجعل العلاقة متبادلة قبل تلك المحاولات التوفيقية الاحدث بكثير، مثلا في القرن السابع عشر فيما يتعلق بتاثير الحكومة على سلوك الشعب او العكس، انظر: ج. بليخانوف، في تطور النظرة الواحدية الى التاريخ، ص15-17، ويسرد الكتاب (المنشور سنة 1895) عرضا لنوعي النظريات: التي تجعل البيئة هي اساس الافكار والتي تجعل الافكار هي الاساس. [8] يبدو لنا ان محاولة ارسطو، رغم قدمها، نوع من الاتجاهات الوسطية، فقد لاحظ ارسطو في كتابه عن السياسة ان هناك انواعا من الحكومات تلائم دولا معينة دون اخرى (الفصل العاشر من الباب الرابع) فيقول عن تغلب الفقراء (بالكمية والماهية) بانه ينشأ عنه الحكم الشعبي، بل ولو تفوق المزارعون منهم نشأ اول نوع من الحكم الشعبي وكذلك لو تفوق الحرفيون والمأجورون من اولئك الفقراء نشأ اخر نوع من ذلك الحكم، وبين ذلك انواع متوسطة بينهما، اما حين تتغلب ماهية الاغنياء والنبلاء على التقصير الذي يمثله قلة عددهم فينشأ حكم الاقلية: ارسطو، السياسيات، الباب الرابع، الفصل العاشر، فقرة 2-3 (ص 218-219 من متن الترجمة العربية، وقد تصرفنا في بعض المصطلحات). فنرى هنا ان الواقع الاجتماعي-الاقتصادي يؤسس لكل من الحكم الشعبي وحكم الاقلية، غير ان ارسطو يعطي دورا للفعل الانساني في تغليب اي منهما، ويتمثل ذلك الدور في الماهية ويحددها بالحرية والغنى والثقافة والنبل (ارسطو، السياسيات، ب4،ف10، فقرة 1، ص218) والذي يجعله، كما يبدو، حاسما، غير اننا بتتبع اسباب تلك الماهية نصل الى عوامل كثيرة هي في صلب الواقع الاجتماعي-الاقتصادي يضاف اليها بالطبع عوامل الفعل الانساني الواعي. ويبدو ارسطو اكثر وعيا بالدور الانساني من ماركس، مثلا، والذي الغى ذلك الدور. [9] انظر: J. Spielvogel, Western Civilization, p.53. [10] انظر: نيقولو مكيافلي، مطارحات مكيافلي، ص 216-217 و ص221 [11] لوصف مختصر للمجتمع والنظام في سبارطة انظر: J. Spielvogel, Western Civilization, pp.50-51. [12] رغم محاولته للبرهنة على وجود الله فقد كان هذا هو، لا غير، دور الله عند الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596-1650)، انظر: ر. سترومبرج، تاريخ الفكر الاوروبي الحديث، ص76. وقد قال الفيلسوف اليوناني اناكساغوراس (القرن الخامس ق.م) بالدفعة الاولى قبل ذلك: ول ديورانت، قصة الفسلفة، ص190. [13] اي الذي يقود الطبقة العاملة وهو حزب منظم مركزي يفيد من عفوية اصطدام الطبقة العاملة مع مضطهديها، انظر كتيبه المشهور الموسوم: ما العمل، فصل عفوية الجماهير ووعي الاشتراكية-الديموقراطية، ص 38، والكتاب يسهب في الحديث عن دور ذلك الحزب وعدم الاعتماد فقط على عفوية الطبقة العاملة. [14] وقد كانت في الليرالية اتجاهات اكثر تطرفا مثل ليبرالية عالم الاجتماع هربرت سبنسر (1820-1903) الذي قصر واجب الدولة على تحقيق العدالة وطالب بالغاء وزارة الزراعة والاشغال والتربية وترك تلك الامور للمبادرات الخاصة،جان توشار، تاريخ الافكار السياسية، ج3، ص885. [15] ذكرنا تعبير ((في اغلبه)) لنخرج بذلك عن الوحي ما قاله او فعله النبي على وجه الرأي لا على وجه التشريع. [16] وهي على الاغلب غير صحيحة لانه من المستبعد ان يجري حديث خاص، ونقصد به مادار بعد ذلك بين بني عامر وشيخ لهم بعد عودتهم، في قبيلة ينقله لنا ناس بعد ذلك. اما من ناحية الاسناد فقد رمز له الدكتور محمد البرزنجي في تحقيقه لتاريخ الطبري بالضعف وذكر انه قد رواه غير الطبري ايضا: ضعيف تاريخ الطبري، السيرة النبوية، مجلد 7، ح 58، ص41. [17] ان حادثة السقيفة لم تُنظّر، برأينا، لحكم قريش بل لحكم المهاجرين ولو كانت الاحاديث في احقية قريش صحيحة لاحتج بها ابو بكر وعمر فغاية ما احتج به ابو بكر قوله: ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش. فابو بكر لم يعمم قريشا في الامر بل خصص من قريش المهاجرين، وهو لم يذكّرهم باي حديث عن الخلافة في قريش، كما ان الانصار على كثرتهم في السقيفة لم يتذكروا اي حديث عن ذلك، بل وصل باحدهم ان يقول ((منا امير ومنكم امير)).. (صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت)، وعلى فرض ان ابا بكر قصد قريشا في العموم فهو قاله برأيه ولم يُحل الى اية أو حديث، وصيغة كلامه، اي ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هو احالة الى واقع وليس الى نص. وقد ذكر الحافظ ابن حجر ان البخاري لم يورد احاديث في ان الائمة من قريش وما شابهها ذكرها الحافظ في الفتح لانها ليست على شرطه ولم يذكر في الباب الا حديثين الاول عن معاوية وغضبه من تحديث عبدالله بن عمرو بن العاص عن مَلِك قحطاني وقول معاوية انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ان هذا الامر في قريش.. الى قوله ما اقاموا الدين، والحديث الثاني عن ابن عمر يرفعه: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان (فتح الباري، كتاب الأحكام، باب الأمراء من قريش). وحديث القحطاني الذي انكره معاوية رواه ابو هريرة وهو عند البخاري: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه (كتاب الفتن، باب تغيير الزمان حتى تعبد الأوثان). [18] كان نشوء الجدل في القدر باعتقادنا بسبب صدمة المسلمين التي ولدها الحكم الاموي ومظالمه وكذلك الثورات والفتن وما صاحبها من سفك دماء ومن فشل من كان يُظَن فيه الصلاح.. وتعارض كل ذلك مع ما فهمه المسلمون من القران من مجازاة الانسان بعمله. [19] عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة (صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية)، وصحيح مسلم كتاب الإِمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية. [20] عن علي رضي الله عنه، قال : ((بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم، وقال: أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني، قالوا: بلى، قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها، فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا، فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: إنما تبعنا النبي صلى الله عليه وسلم فرارا من النار أفندخلها، فبينما هم كذلك، إذ خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف))، صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، وكتاب اخبار الاحاد، باب ما جاء في اجازة خبر الواحد الصدوق، وفي هذه الرواية: فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين: لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف، صحيح مسلم (كتاب الامارة، باب وجوب طاعة الامراء في غير معصية) وفي رواية اخرى لمسلم: فقال للذين أرادوا أن يدخلوها لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال: لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف. [21] مثال على ذلك عدد اهل العقد والحل الذين تنعقد بهم الامامة فاعتمادا على اصحاب الشورى الستة بعد عمر هناك من جعلهم ستة بل هناك من اكتفى بواحد اعتمادا على قول العباس لعلي: امدد يدك ابايعك، انظر الاحكام السلطانية للماوردي، ص 6. [22] من ذلك ما يقوله الماوردي حول عقد الامامة لاثنين في بلدين مختلفين: ((والصحيح في ذلك وما عليه الفقهاء المحققون ان الامامة لاسبقهما بيعة وعقد كالوليين في نكاح المرأة اذا زوجاها باثنين كان النكاح لاسبقهما عقدا))، الاحكام السلطانية، ص 10. [23] الاحكام السلطانية، ص4. [24] الاحكام السلطانية، ص4. [25] الاحكام السلطانية، ص7. [26] الاحكام السلطانية، ص 10. [27] كانت خلافة معاوية تغلبا لان الحسن بن علي اضطر للتنازل عن الامارة، فالرضى بالتنازل بعد القتال عليها لاينزع من الغالب صفة التغلب. [28] الاحكام السلطانية، ص44. [29] انظر: كامل علي ابراهيم رباع، نظرية الخروج في الفقه الاسلامي، 2004، ص102. [30] ومن الطبيعي ان يكون هناك مط لتجويز امارة التغلب لتشمل ما يفرضه الواقع او ما يريده الفقيه مثل ما حصل في العراق من الاستنكار الشديد لاحد منظري التيار المحسوب على السلطة والذي يدعي الانتساب للسلف على منظر اخر من نفس التيار لانه لم يجوز بان يكون التغلب الا بسيف المتغلب لا بسيف غيره ووصف المجوز لامارة المتغلب بسيف غيره فتوى الثاني بالبدعة، كأنه قد تم حسم كون التغلب سنة نبوية. [31] ابن كثير، البداية والنهاية، جزء 10، ص211. [32] صحيح البخاري، كتاب الاحكام، باب كيف يبايع الامامُ الناسَ. وراجع صحيح تاريخ الطبري للدكتور محمد البرزنجي، صحيح الخلافة الراشدة، مجلد 3، ص 301-304 حول قصة الشورى. [33] يظن البعض من المنتسبين الى اهل السنة ان نقد معاوية يصب في قضية الشيعة وهذا خطا شنيع فهم يحذفون اجمل مافي النظام الاسلامي الا وهو حق الامة، وبالمقابل يشتم الشيعة معاوية ويلعنونه ليس انطلاقا من مبدأ حق الامة، الذي هو غائب غيابا كاملا في نظرية احقية علي واهل البيت، لكن من مبدأ الوصية لعلي واحقيته وهو مبدأ يجرد الامة من حقها في اختيار الخليفة. والطرفان يضحيان بمبادئ الاسلام من اجل الاشخاص. [34] افاد القادة من احد شروط الخليفة في السياسة الشرعية وهي سلامة الحواس واحداها سلامة البصر ولذلك كان سمل العينين مسقطا لاهلية الخليفة. [35] لا تقابل النظريات الداعية الى وجود مؤسسات وسطية بالترحيب دائما. في فرنسا مثلا واثناء الحكم الثوري الذي تلا الثورة الفرنسية اعتبرت الهيئات الوسطية انتقاصا لسيادة الشعب باعتبار ان تلك السيادة واحدة ولايمكن تجزئتها ويبدو هنا تاثر قادة الثورة بافكار جان جاك روسو. [36] في رواية لابي يعلى ان معاوية بن ابي سفيان قال ذلك في جمعة فلم يُرد عليه ثم اعادها في اخرى ولم يُرد عليه وفي الثالثة قام رجل في المسجد وقال: كلا، المال مالنا والفئ فيئنا من حال بيننا وبينه حاكمناه باسيافنا، ثم لما قضيت الصلاة استدعى معاوية الرجل واذن للناس بالدخول وقال ان الرجل احياه وذكر حديثا للنبي: سياتي قوم يتكلمون فلا يرد عليهم يتقاحمون في النار تقاحم القردة ثم قال فخشيت ان يجعلني الله منهم فلما رد هذا علي احياني.. وذكر الالباني كلا من الحديث المرفوع، بلفظ اخر، دون القصة والحديث مع القصة في سلسلته الصحيحة (ج4، ح1790). وعلى الرغم من قول معاوية فقد كان واقع الدولة الاموية تطبيق سياسة الاستئثار بالمال والمحاباة في قسمته وبذله بما يخالف سياسة الخلفاء الراشدين. [37] تعتمد نظرية احقية علي في الخلافة على مبدأ القرابة من ناحية وعلى النص من ناحية اخرى: سليمان ورث الملك عن ابيه وموسى استخلف هارون اخاه عندما ذهب للقاء الله. وكان استناد النظرية الاكبر هو استخلاف علي على المدينة في غزوة تبوك: الا ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي؟ لكن النظرية غير صحيحة لان هارون لم يخلف موسى بعد موته بسبب موته قبل موسى وكان استخلافه مؤقتا. اما مستند الشيعة في الوصية بانه نص فلا يلتفت اليه لعدم ثبوته نقلا ومخالفته للعقل باعتبار انه لا يعقل ان يطول الزمان حتى نهاية عهد الخليفة الثالث عثمان ولانرى اي احتجاج بالنص رغم كون احدها وهو ما يزعم عن الوصية في يوم الغدير قد حصل على مرأى ومسمع من الصحابة. [38] عولجت قضية محاباة عثمان لاقاربه بمبالغة من قبل فريقين: فريق بالغ في تلك القضية وفريق ألتمس له الاعذار. ولسنا هنا في معرض مناقشة حقيقة الامر لكن الانصاف يوجب رفض كل من مبالغة الطاعنين وكذلك قسط كبير من التبريرات التي تبدو متكلفة. [39] او باللاتينية primus inter pares . هذه الحالة ساهمت في انشاء النظام الجمهوري في روما ومنعت تسلط فرد او طاغية على الحكم، كما ساهمت في انظمة بعض دول المدن اليونانية. اما في النظام الاسلامي فانحصار الحالة، حسب علمنا، بالخوارج وبسبب من دمويتهم وتطرف ارائهم لم تؤدي تلك الحالة الى نظام شبيه بالجمهوري. اما الحالة الفريدة في الاندلس، اي ((حكومة الجماعة)) بقرطبة برئاسة ابي الحزم جهور بن محمد (422 للهجرة) بعد الغاء الخلافة الاموية التي بلغت الحضيض، فكانت تشبه في نواح كثيرة النظام الجمهوري، وبالاخص الجمهوري الارستقراطي، واقرب الى روح الشورى الاسلامية وكانت البيعة لابي الحزم برضى الناس ولم يستبد بالامر بل كان يرجع في قراراته الى مجلس شوراه الذين كانوا من الاعيان والقادة، انظر: محمد عبد الله عنان، دولة الإسلام في الأندلس، ج2، ص20 فما بعد. وقد كانت تلك الحكومة استجابة سليمة للظروف التي عاشتها قرطبة انذاك. ومما يؤسف له ان تلك التجربة الاقرب الى روح الاسلام لم تلق اهتماما يليق بها فيما انصب اهتمام اكثر على نماذج هي اقرب للطغيان. [40] انظر: ابن حزم، الفصل في الملل والاهواء والنحل، جزء 5، ص53، الاشعري، مقالات الاسلاميين، جزء 1، ص189-190. [41] كما ذكر ابو جهل: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا, وأعطوا فأعطينا, حتى إذا تجاثينا على الركب, وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى تدرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه (ابن اسحاق، السيرة النبوية، ج1، ص226-)227. وقد تكون القصة مختلقة، وهي من ناحية السند ضعيفة لان ابن اسحاق يرويها عن الزهري ويذكرها الزهري بصيغة التمريض (حُدِّثتُ)، غير انها تعبر عن الواقع آنذاك.. وهناك قصة اكثر مدعاة للاستغراب وفيها كلام اخر لابي جهل، وهو حوار مع نفس الشخص، اي الاخنس بن شُرَيق: والله ان محمدا لصادق (...) ولكن اذا ذهبت بنو قُصَي (وهو والد مناف) باللواء والحجابة والسقاية والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ (تفسير الطبري، ج9، ص222). ووجه الاستغراب ان الاخنس يقول لابي جهل انه ليس هناك في مكانهم ذلك من قريش احد يسمعهما.. فكيف وصلت الينا تلك الرواية؟ هل ذكرها الاخنس، الذي مات في اول خلافة عمر، لغيره؟ ويضاف الى ذلك ان الرواية عن السدّي الكبير (توفي سنة 127 للهجرة وروى عن انس بن مالك وابن عباس) وهو فضلا عن انه مختلف فيه ففي احسن احواله انه اسقط الصحابي من سند الرواية. لكن ورغم وضوح اختلاق تلك الروايات فهي لم تختلق من فراغ بل من واقع موجود وهو تنافس بيوت قريش. [42] ومن هنا كان النقد الشهير للمفكر الفرنسي جان جاك روسو للديمقراطية البريطانية والتي كانت ديمقراطية نيابية حيث قال عن الشعب البريطاني انه حر اثناء الانتخابات فقط (جان جاك روسو، فى العقد الاجتماعى، ص155). ولذلك كان مثال روسو في الديمقراطية، وهو المثال الذي سار عليه الثوار الفرنسيون، هو الديمقراطية المباشرة والذي يمارس فيه المواطنون حقوقهم دون وسيط وان اعترف روسو انه نظام يفيد الدول الصغيرة (في العقد الاجتماعي، ص 119). [43] ويتلخص في ان يقوم عدد معين من الناخبين بطلب التصويت على حاكم ولاية او عضو كونغرس او اي موظف منتخب فتجرى انتخابات جديدة بحقهم تسفر عن اقالتهم او تثبيتهم. [44] وكمثال على ذلك ما ذكرناه حول شريحة العلماء التي كان من المفروض ان تشكل مؤسسة وسطية بين الحاكم والرعية. وعندما يتم تغيير الظروف الحياتية لتلك الشريحة بما يضمن عدم خضوعها للسلطة نكون قد خطونا نحو استقلاليتها ثم نحو تشكيلها كمؤسسة وسطية وان كان الامر ليس بهذه السهولة. [45] نشير في ذلك الى بحث لنا لم ننشره بعد بعنوان (تحرير العقيدة من الفكر) ونحاول فيه اثبات ان قضايا عديدة في العقيدة هي اجتهادات او فكر ويجب التعامل معها كفكر واخراجها من مباحث العقيدة وذلك لن يفيد العقيدة فحسب بل وسيزيل قسما من مسائل التناحر المذهبي بين المسلمي اقرأ البحث بصيغة بي دي ايف 04-06-2016 www.zagros.org/arabic-articles-2016-06-04-211512 19284 مشاهدة |